شيخ الإسلام؟ ألا تعرف - وأنت الرجل الذكي العالم - الفرقَ بين الأحكام والقواعد واستنباطها، وبين الوقائع المعيَّنة وثبوتها؟ !
وسأُعَلِّمُك:
لو كان كلامُ شيخ الإسلام مقرَّرًا لوجود الجنّ فقط، لطالبَه مُنَاظِره أو مُجادِله بالدليل على ذلك من الكتاب والسنة، وهذا هو الحكمُ الذي يُطْلَب من أجل إثباته دليلٌ منصوص من الكتاب والسنة، أو دليل مستنبط منهما، ولكنّ شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن هذا ليس موضعَ الردّ على المردود عليه.
فإنه يقول بالحرف الواحد: "وأمّا كونُه لم يتبيَّنْ له كيفيةُ الجنّ ومقاماتُهم، فهذا ليس فيه إلا إخباره بعدم علمه، لم ينكر وجودهم". فهذا هو الحكمُ بوجود الجنّ: لمَ ينسب شيخُ الإسلام للرجل المردود عليه أنه ينكر وجودهم، حتى يقيم عليه الدلائل من الكتاب والسنة، بل أثبت لخصمه أنه "لم ينكر وجودهم"، ولذلك لم يكتب له في هذا الموضع الدلائل من الكتاب والسنة؛ لأن وجودهم - عن هذه الدلائل - ليس موضعَ الخلاف والردّ على ذاك الرجل.
وقد فهم شيخُ الإسلام من كلام الرجل المردود عليه، أنه ليس فيه إلَّا إخبارُه بعدم علمه بكيفية الجنّ ومقاماتهم، فأراد أن يَحُجَّه بالحال المشاهدة عندَ بعض الناس، ومنهم شيخ الإسلام نفسُه. فقال: "إذْ وجودهم ثابتٌ بطرق كثيرة، غير دلالة الكتاب والسنة؛ فإن من الناس مَنْ رآهم ... ومن الناس من كلَّمهم وكلَّموه ... ولو