ذكرتُ ما جرى لي ولأصحابي معهم لطال الخطاب".

وهذا كلامُ الرجل العالم الفاقِه لما يقول، الواثق من نفسه ومن صدقه، ومن تصديق خصمه له إذا حَكَى ما رأى بعينه وسمع بأذنه. إذْ هو يعلم أنه لا يُدْفَع عن الصدق فيما يقول عما شهده، ولا عن الصدق فيما يَنْقل من العلم، ويعلم أن أحدًا من خصمه لم يَنْبِزْه بالكذب قطّ.

فهذه واقعة - في رؤية شيخ الإسلام للجنّ وكلامه معهم - وقعتْ بعد انقطاع الوحي بأكثر من سبعمائة سنة، فليس لسامعها إلَّا إحدى اثنتين: أن يصدِّقَ راويَها الذي يدَّعي أنها وقعتْ له، بما يعرفه من صدق لهجته، ومن عدالته وأمانته، ومن أنه أهل للشهادة تُقبل شهادتُه، ولا يستطيع أن يَطلب منه دليلًا على صدقه من الكتاب والسنة، فما يُعقل قطّ أن يَطلبَ منه نصًّا من الوحي على أنه صادق في هذه الواقعة أو الوقائع بعينها! ! أو يكذِّب هذا الراوي فيما روى أنه وقع له.

وهذا التكذيب قد يكون للراوي نفسه، بدفعه عن الصدق، بما يعلم الدافعُ من حال الراوي وعدم عدالته؛ فيكون نفيًا خاصًّا قاصرًا على الواقعة أو الوقائع التي يحكيها هذا الراوي.

وقد يكون التكذيبُ عامًّا، غير قاصرٍ على موضع الرواية، بل نفيٌ لأصل المسألة، فكأنه يقول للراوي - حتى لو عَرَفَه بالصدق والعدالة: إن الذي تقول وتحكي لا يُعقل أن يقعَ قطّ؛ لأن دلائل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015