إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، تَثْنِيَةُ بِطَانَةٍ، وَهِيَ الْمُحِبُّ الْخَالِصُ لِلرَّجُلِ، مُسْتَعَارٌ مِنْ بِطَانَةِ الثَّوْبِ، وَهِيَ خِلَافُ الظِّهَارَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ وَلِيجَتُهُ، وَهِيَ دَاخِلَةُ أَمْرِهِ وَصَاحِبُ سِرِّهِ الَّذِي يُشَاوِرُهُ فِي أَحْوَالِهِ، عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هُوَ الَّذِي يُعَرِّفُهُ الرَّجُلُ أَسْرَارَهُ ثِقَةً بِهِ، شُبِّهَ بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ كَمَا شُبِّهَ بِالشِّعَارِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ: بَطَنْتَ الرَّجُلَ إِذَا جَعَلْتَهُ مِنْ خَوَاصِّكَ (بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ) أَيْ: لَا تَمْنَعُهُ (خَبَالًا) أَيْ: فَسَادًا أَيْ: مِنْ فَسَادٍ يَفْعَلُهُ، أَوْ لَا تُقَصِّرُ فِي حَقِّهِ عَنْ إِدْخَالِ الْخَبَالِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا الْكَشَّافُ: يُقَالُ: أَلَا فِي الْأَمْرِ يَأْلُو إِذَا قَصَّرَ فِيهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مُعَدًّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ فِي قَوْلِهِمْ لَا آلُوكَ نُصْحًا، وَلَا آلُوكَ جُهْدًا، عَلَى التَّضْمِينِ، أَيْ: تَضْمِينِ مَعْنَى الْمَنْعِ أَوِ النَّقْصِ، وَالْمَعْنَى لَمْ أَمْنَعْكَ نُصْحًا، وَلَا أَنْقُصُكَ جُهْدًا (وَمَنْ يُوقَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ وَقَى يَقِي أَيْ: مَنْ يُحْفَظُ (بِطَانَةَ السَّوْءِ) بِفَتْحِ السِّينِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهُ فَفِيهِ لُغَتَانِ كَمَا فِي الْكُرْهِ وَالضَّعْفِ إِلَّا أَنَّ الْمَفْتُوحَةَ غَلَبَتْ مَعَ أَنَّهُ يُضَافُ إِلَيْهَا مَا يُرَادُ ذَمُّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَمَّا السَّوْءُ فَجَارٍ مَجْرَى الشَّرِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْخَيْرِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ (فَقَدْ وُقِيَ) مَاضٍ مَجْهُولٌ أَيْ: حُفِظَ مِنَ الْفَسَادِ أَوْ جَمِيعِ الْأَسْوَاءِ وَالْمَكَارِهِ فِي الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ.
(حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ) بِضَمِّ مِيمٍ فَجِيمٍ، ثُمَّ كَسْرِ لَامٍ (ابْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ (عَنْ بَيَانٍ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ، وَهُوَ ابْنُ بِشْرٍ عَلَى مَا فِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ فَسُكُونِ مُعْجَمَةٍ، (حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ حَازِمٍ) وَفِي نُسْخَةٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ (قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَقِيلَ وُهَيْبٍ (يَقُولُ إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ)
أَهَرَاقَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِسُكُونِهَا، وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُهَا، وَفِي أُخْرَى هَرَاقَ بِلَا هَمْزٍ أَيْ: أَرَاقَ وَصَبَّ (دَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ: مِنْ شَجَّةٍ شَجَّهَا لِمُشْرِكٍ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الِاسْتِخْفَاءِ، وَكَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِصَلَاتِهِمْ فِي الشِّعَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي نَفَرٍ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ مُشْرِكُونَ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَعَابُوهُمْ وَاشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمْ فَضَرَبَ سَعْدٌ رَجُلًا مِنْهُمْ بَلَحَى بِعِيرٍ فَشَجَّهُ فَكَانَ أَوَّلَ دَمٍ أُرِيقَ فِي الْإِسْلَامِ (وَإِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ) أَوْ مِنَ الْعَرَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأَوَّلُ الْعَرَبِ (رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ مِيرَكُ: ذَكَرَ أَكْثَرُ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي أَنَّ أَوَّلَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَبْوَاءُ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَرَوَى ابْنُ عَائِذٍ فِي مَغَازِيهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَلَغَ الْأَبْوَاءَ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ أَيِ ابْنَ الْمُطَّلِبِ وَعَقَدَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ لِوَاءٍ، وَهُوَ أَوَّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ فِي سِتِّينَ رَجُلًا، أَيْ: مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَلَقُوا جَمْعًا أَيْ: كَثِيرًا مِنْ قُرَيْشٍ قِيلَ أَمِيرُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ فَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ، فَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِسَهْمٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: فَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَالْأَبْوَاءُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ قَرْيَةٌ، كَذَا ذَكَرَهُ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ مَوْضِعٌ، وَفِي النِّهَايَةِ جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَعِنْدَهُ بَلَدٌ يُنْسَبُ