مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ مَا لَمْ يَبْلُغْ سَنَةً (فَأَتَاهُمْ بِهَا فَأَكَلُوا) مِنْهَا أَيْ: بَعْضَهَا (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ لَكَ خَادِمٌ) أَيْ: غَائِبٌ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى سُؤَالِهِ رُؤْيَتُهُ لَهُ، وَهُوَ يَتَعَاطَى خِدْمَةَ بَيْتِهِ بِنَفْسِهِ (قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ: مَسْبِيٌّ مِنَ الْأُسَارَى عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً (فَأْتِنَا) فَاحْضُرْنَا، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى كَمَالِ كَرَمِهِ وَجُودِهِ حَيْثُ عَزَمَ عَلَى إِحْسَانِهِ وَمُكَافَأَتِهِ بِوَعْدِهِ (فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: فَجِيءَ (النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْسَيْنِ) أَيْ: بِأَسِيرَيْنِ اثْنَيْنِ (لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ (فَأَتَاهُ أَبُو الْهَيْثَمِ) أَيِ اتِّفَاقًا، أَوْ بِالْقَصْدِ بِمُقْتَضَى الْوَعْدِ (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَرْ مِنْهُمَا) أَيْ: وَاحِدًا (فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ اخْتَرْ لِي) أَيْ: أَنْتَ فَإِنَّ اخْتِيَارَكَ لِي خَيْرٌ مِنِ اخْتِيَارِي لِنَفْسِي، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَقْلِهِ وَحُسْنِ أَدَبِهِ وَفَضْلِهِ (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَادَ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ سَمُرَةَ، وَزَادَ إِنْ شَاءَ أَشَارَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُشِرْ، وَفِي الْأَوْسَطِ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - وَزَادَ فَإِذَا اسْتُشِيرَ فَلْيُشِرْ بِمَا هُوَ صَانِعٌ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ الِاسْتِشَارَةُ اسْتِخْرَاجُ الرَّأْيِ مِنْ قَوْلِهِمْ شُرْتُ الْعَسَلَ إِذَا أَخْرَجْتَهَا مِنْ خَلَايَاهَا، وَالِاسْمُ الْمَشُورَةُ وَالْمَشْوَرَةُ، وَهُمَا لُغَتَانِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اسْتَشَارَ ذَا رَأْيٍ فِي أَمْرٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَجْهُ صَلَاحِهِ فَقَدِ ائْتَمَنَهُ وَاسْتَشْفَى بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُشِيرَ عَلَيْهِ بِمَا يَرَاهُ النُّصْحَ فِيهِ، وَلَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَشَارَ أَمِينٌ فِيمَا يَسْأَلُ مِنَ الْأُمُورِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخُونَ الْمُسْتَشِيرَ بِكِتْمَانِ مَصْلَحَتِهِ وَامْتِنَاعِ نَصِيحَتِهِ (خُذْ هَذَا) إِشَارَةً إِلَى أَحَدِ الرَّأْسَيْنِ (فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي) أَيْ: وَالصَّلَاةُ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِأَمْرِهِ وَدَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ (وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا) أَمْرُ مُخَاطَبٍ عَطْفًا عَلَى خُذْ مَأْخُوذٌ مِنِ اسْتَوْصَى بِمَعْنَى أَوْصَى إِذَا أَمَرَ أَحَدًا بِشَيْءٍ وَيُعَدَّى بِالْبَاءِ، أَيْ: مُرْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَعِظْهُ مَعْرُوفًا كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنِ اسْتَوْصَى إِذَا قَبِلَ وَصِيَّتَهُ أَحَدٌ، أَيْ: قَبِلَ وَصِيَّتِي فِي شَأْنِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَقِيلَ أَيِ اطْلُبِ الْوَصِيَّةَ وَالنَّصِيحَةَ لَهُ عَنْ نَفْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنَّ السِّينَ لِلطَّلَبِ مُبَالَغَةً وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقَالَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ.
الْكَشَّافُ السِّينُ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ: يَسْأَلُونَ أَنْفُسَهُمُ الْفَتْحَ عَلَيْهِمْ كَالسِّينِ فِي اسْتَعْجَبَ، أَقُولُ الْأَظْهَرُ فِي الْآيَةِ أَنَّ مَعْنَى يَسْتَفْتِحُونَ يَسْتَنْصِرُونَ، أَيْ: يَطْلُبُونَ الْفَتْحَ وَالنُّصْرَةَ مِنَ اللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ فَإِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا أَعْدَاءً لِأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَعَالِمِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ ; أَيْ: تَجَرَّدْ بِهِ عَنْ نَفْسِكَ شَخْصًا وَاطْلُبْ مِنْهُ الْمَعْرُوفَ وَالْخَيْرَ بِهِ، ثُمَّ انْتِصَابُ مَعْرُوفًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: اسْتِيصَاءً مَعْرُوفًا، وَفِي نُسْخَةٍ وَاسْتَوْصَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي، أَيِ اسْتَوْصَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْعَبْدِ مَعْرُوفًا (فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ) أَيْ: فَذَهَبَ بِهِ (إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ)
مَا أَنْتَ) أَيْ: لَوْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ مِنَ الْمَعْرُوفِ بِهِ، مَا أَنْتَ (بِبَالِغٍ) أَيْ: بِوَاصِلٍ (مَا قَالَ فِيهِ) أَيْ: فِي حَقِّهِ (النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: مِنَ الْمَعْرُوفِ (إِلَّا أَنْ تُعْتِقَهُ) مِنَ الْعَتَاقِ، وَالْخِطَابُ لِأَبِي الْهَيْثَمِ (قَالَ فَهُوَ) أَيْ: فَإِذَا هُوَ (عَتِيقٌ) أَيْ: مَعْتُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: فَبِسَبَبِ مَا قُلْتُهُ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ هُوَ عَتِيقٌ فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِهَا إِعْلَامًا بِأَنَّ لَهَا تَسَبُّبًا عَظِيمًا فِي عِتْقِهِ، وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: بَعْدَ مَا أُخْبِرَ بِالْقَضِيَّةِ، وَإِبْهَامُ الْمُخْبِرِ أَوْلَى مِمَّا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ تَعْيِينِ أَبِي الْهَيْثَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا، وَلَا خَلِيفَةً) أَيْ: مِنَ الْخُلَفَاءِ أَوِ الْعُلَمَاءِ أَوِ الْأُمَرَاءِ (