إِلَيْهِ انْتَهَى.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَلَا يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْقِتَالِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلَا يُنَافِي رَمْيَ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ (لَقَدْ رَأَيْتُنِي) أَيْ: أَبْصَرْتُ نَفْسِي (أَغْزُ وَفِي الْعِصَابَةِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَكَذَا الْعُصْبَةُ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا (مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَأْكُلُ) أَيْ: شَيْئًا (الْأَوْرَاقَ الشَّجَرَ وَالْحُبْلَةَ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ ثَمَرَةُ السَّمُرَةِ يُشْبِهُ اللُّوبِيَا، وَقِيلَ ثَمَرَةُ الْعَضَاةِ، وَالْعَضَاةُ كُلُّ شَجَرٍ يَعْظُمُ وَلَهُ شَوْكٌ، وَالسَّمُرُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ، وَفِي نُسْخَةٍ مَجْرُورَةٌ (حَتَّى أَنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ وَالْبَعِيرُ) يُرِيدُ أَنَّ فَضَلَاتِنَا لِعَدَمِ الْغِذَاءِ الْمَعْرُوفِ وَالطَّعَامِ الْمَأْلُوفِ يُشْبِهُ أَرْوَاثَهُمَا لِيَبَسِهِمَا، وَهَذَا كَانَ فِي غَزْوَةِ الْخَبَطِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ، زَوَّدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِرَابَ تَمْرٍ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِيهِمْ حَفْنَةً حَفْنَةً، ثُمَّ قَلَّلَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ صَارَ يُعْطِيهِمْ تَمْرَةً تَمْرَةً، ثُمَّ أَكَلُوا الْخَبَطَ حَتَّى صَارَ أَشْدَاقُهُمْ كَأَشْدَاقِ الْإِبِلِ، ثُمَّ أَلْقَى إِلَيْهِمُ الْبَحْرُ سَمَكَةً عَظِيمَةً جِدًّا فَأَكَلُوا مِنْهَا شَهْرًا أَوْ نِصْفَهُ، وَقَدْ وُضِعَ ضِلْعٌ مِنْهَا فَدَخَلَ تَحْتَهُ بَعِيرٌ بِرَاكِبِهِ، وَاسْمُهَا الْعَنْبَرُ، وَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ، أَيْ: لِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سَعْدٌ، فِي غَزَاةٍ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا الْحُبْلَةُ. . . الْحَدِيثَ، فَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَعُنْوَانِ الْبَابِ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ مَعَ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَيْضًا دَلَالَةٌ مِنْ حَيْثُ أَنَّ ضِيقَ عَيْشِ أَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى ضِيقِ عَيْشِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسِعًا

لَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ، وَلَمَا اكْتَفَى بِجِرَابِ تَمْرٍ فِي زَادِ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَارِبِينَ، (وَأَصْبَحَتْ) أَيْ: صَارَتْ (بَنُو أَسَدٍ) وَهُمْ قَبِيلَةٌ (يُعَزِّرُونَنِي فِي الدِّينِ) وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى الدِّينِ، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمَكْسُورَةِ مِنَ التَّعْزِيرِ بِمَعْنَى التَّأْدِيبِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ، وَفِي أُخْرَى بِصِيغَةِ الْوَاحِدَةِ الْغَائِبَةِ بِنَاءً عَلَى تَأْنِيثِ الْقَبِيلَةِ، أَيْ: يُوَبِّخُونَنِي بِأَنِّي لَا أُحْسِنُ الصَّلَاةَ، وَيُعْلِمُونَنِي بِآدَابِهَا مَعَ سَبْقِي فِي الْإِسْلَامِ، وَدَوَامِ مُلَازَمَتِي لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (لَقَدْ خِبْتُ) بِكَسْرِ خَاءٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ، فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْخَيْبَةِ بِمَعْنَى الْخُسْرَانِ وَالْحِرْمَانِ، أَيْ: لَقَدْ حُرِمْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَخَسِرْتُ (إِذَا) أَيْ: إِنْ كُنْتُ مُحْتَاجًا لِتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ (وَضَلَّ) أَيْ: ضَاعَ وَبَطَلَ (عَمَلِي) وَفِي إِحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ وَضَلَّ سَعْيِي كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَضَلَّ عَمَلِي، وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ قَالُوا: لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، أَيْ: نَمَوْا وَشَكَوْا إِلَيْهِ عَنْهُ حِينَ كَانَ أَمِيرًا بِالْبَصْرَةِ، وَالْوِشَايَةُ السِّعَايَةُ، قَالَ مِيرَكُ: وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الدِّينِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تُعَزِّرُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَبَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْإِسْلَامِ وَالدِّينِ إِيذَانًا بِأَنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ وَرَأْسُ الْإِسْلَامِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى أَبُو نَعَامَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْأَصْلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، فَفِي الْمُغْنِي: يَزِيدُ بْنُ نُعَامَةَ بِضَمِّ النُّونِ وَأَبُو نَعَامَةَ بِفَتْحِ النُّونِ اسْمُهُ عِيسَى بْنُ سَوَادَةَ ثِقَةٌ (الْعَدَوِيُّ) بِفَتْحَتَيْنِ (قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَشُوَيْسًا) بِمُعْجَمَةٍ، ثُمَّ مُهْمَلَةٍ (أَبَا الرُّقَادِ) بِضَمٍّ فَقَافٍ مُخَفَّفَةٍ (قَالَا) أَيْ: كِلَاهُمَا (بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَيْ: فِي أَوَاخِرِ خِلَافَتِهِ (عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ زَايٍ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مُهَاجِرِيٌّ بَدْرِيٌّ (وَقَالَ) أَيْ: عُمَرُ (انْطَلِقْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ) أَيْ: مِنَ الْعَسْكَرِ (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي أَقْصَى أَرْضِ الْعَرَبِ) أَيْ: أَبْعَدِهَا (وَأَدْنَى بِلَادِ أَرْضِ الْعَجَمِ) أَيْ: أَقْرَبِهَا إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا غَايَةُ سَيْرِكُمْ (فَأَقْبَلُوا) فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْإِقْبَالِ أَيْ: تَوَجَّهُوا (

طور بواسطة نورين ميديا © 2015