الْفِتَنَ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ، قُلْتُ: بَلْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالتَّحْذِيرِ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُ مِيرَكَ شَاهْ أَنَّ التَّحْذِيرَ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ مَعْنًى حَسَنٌ لَكِنْ لَا يُلَائِمُ الْمَقَامَ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ نَفْيِ الْمَرَامِ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ يَحْتَرِسُ مِنْهُمُ احْتِرَاسًا (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ) بِكَسْرِ الْوَاوِ يَمْنَعُ (عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنَ النَّاسِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْهُ أَيْ: مِنَ الْإِنْسَانِ وَفِي أُخْرَى مِنْ أَحَدِهِمْ (بِشْرَهُ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ: طَلَاقَةَ وَجْهِهِ وَبَشَاشَةَ بَشْرَتِهِ وَفِيهِ دَفْعُ تَوَهُّمٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ يَحْتَرِسُ وَلِذَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا خُلُقَهُ) بِضَمَّتَيْنِ أَوْ ضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: وَلَا حُسْنَ خُلُقِهِ (وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ) أَيْ: يَطْلُبُهُمْ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ حَالَ غَيْبَتِهِمْ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَرِيضًا يَعُودُهُ أَوْ مُسَافِرًا يَدْعُو لَهُ أَوْ مَيِّتًا فَيَسْتَغْفِرُ لَهُ (وَيَسْأَلُ النَّاسَ) أَيْ: عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا (عَمَّا فِي النَّاسِ) أَيْ: عَمَّا وَقَعَ فِيهِمْ مِنَ الْمَحَاسِنِ وَالْمَسَاوِئِ الظَّاهِرَةِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَ الظَّالِمِ عَنِ الْمَظْلُومِ أَوْ عَمَّا هُوَ مُتَعَارَفٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَجَسَّسُ عَنْ عُيُوبِهِمْ وَيَتَفَحَّصُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ (وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ) بِتَشْدِيدِ السِّينِ مِنَ التَّحْسِينِ أَيْ: يَحْكُمُ بِحُسْنِ الْحَسَنِ أَوْ يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ (وَيُقَوِّيهِ) مِنَ التَّقْوِيَةِ أَيْ: وَيُظْهِرُ تَقْوِيَتَهُ بِدَلِيلٍ مَنْقُولٍ أَوْ مَعْقُولٍ (وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ مِنَ التَّقْبِيحِ (وَيُوهِّيهِ) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِهَا مِنَ التَّهْوِيَةِ وَالْإِيهَاءِ أَيْ: يُضْعِفُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَجْهَيْنِ مِنَ الْوَهْنِ، وَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَقِيلَ الْمَعْنَى يَقْبَلُ الْحَسَنَ وَيُثْنِيهِ وَيَرُدُّ

الْقَبِيحَ وَيَعِيبُهُ (مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّرٌ هُوَ، وَهُوَ قَوْلُهُ (غَيْرُ مُخْتَلِفٍ) عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيُّ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِمَا بِالرَّفْعِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى خَبَرِ كَانَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَاطِفِ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْعُدُولِ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ أَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ الْمُتَعَاطِفَةَ أُمُورٌ تَطْرَأُ عَلَيْهِ تَارَةً وَأَضْدَادُهَا أُخْرَى، كَكَوْنِهِ يَخْزُنُ لِسَانَهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ وَمَا بَعْدَهُ فَهِيَ أُمُورٌ لَازِمَةٌ لَهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا أَبَدًا فَتَعَيَّنَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ قَطْعُهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَذِكْرُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْبَدِيعِ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَكَانَ جُمْلَةُ (مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ) مُعْتَرِضَةً أَيْ: بِنَاءً عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَلَا يَغْفُلُ) بِالْعَطْفِ لَكِنَّ الَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ حَذْفُ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ حَالٌ مُخَالِفٌ لِلنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَحَاصِلُ مَعْنَاهُ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الِاعْتِدَالِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهَا أُمُورٌ مُتَخَالِفَةُ الْمَحَامِلِ مُتَعَارِضَةُ الْأَوَاخِرِ وَالْأَوَائِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ خِفَّةِ الْعَقْلِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَالشَّمَائِلِ، وَأَمَّا مَنْ كَمُلَتْ لَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015