الْعَامَّةِ مِنْ جُزْءِ الْخَاصَّةِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَ الْعَامَّةَ مَكَانَ الْخَاصَّةِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بَدَلًا مِنَ الْخَاصَّةِ. كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْمُنْتَقَى وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَصَيَّرَهُ جُزْأَيْنِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ لَمَّا عَادَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ هُوَ نَفْسُهُ الشَّرِيفَةُ كَانَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَاتَّضَحَ قَوْلُهُ (ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ) فَغَيْرُ مَضْبُوطٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْبُوطٍ (وَلَا يَدَّخِرُ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ وَإِنْ جُوِّزَ فِي اللُّغَةِ إِعْجَامُ الذَّالِ فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ هُوَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَوْ مُهْمَلَةٍ إِذْ أَصْلُهُ يَذْتَخِرُ فَقُلِبَتِ التَّاءُ ذَالًا مُعْجَمَةً ثُمَّ هِيَ مُهْمَلَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ أَوْ مُهْمَلَةٌ ثُمَّ هِيَ مُعْجَمَةٌ، وَأُدْغِمَتْ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ مَعَ أَنَّ قَلْبَ التَّاءِ ذَالًا مُعْجَمَةً غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي الْإِعْلَالِ: إِنَّ أَصْلَهُ لَا يَذْتَخِرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى أَنَّهُ افْتِعَالٌ مِنَ الذَّخِيرَةِ فَقُلِبَتْ تَاؤُهُ دَالًا لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي عِلْمِ الصَّرْفِ، ثُمَّ قُلِبَتِ الْمُعْجَمَةُ مُهْمَلَةً لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ، ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الْأُخْرَى لِلْمُمَاثَلَةِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقْلِبَ الدَّالَ الْمُهْمَلَةَ الْمُنْقَلِبَةَ عَنِ التَّاءِ ذَالًا مُعْجَمَةً فَتُدْغَمُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْفِي (عَنْهُمْ) أَيْ: عَنِ الْعَامَّةِ أَوْ عَنِ الْخَاصَّةِ ثُمَّ تَصِلُ إِلَى الْعَامَّةِ أَوْ عَنْهُمَا أَوْ عَنِ النَّاسِ (شَيْئًا) أَيْ: مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَفِيهِ نَفْعٌ لِخُصُوصِهِمْ أَوْ عُمُومِهِمْ (وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ) أَيْ: مِنْ (طَرِيقَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ) أَيْ: فِي حِصَّتِهِمْ مِنَ الدَّاخِلِينَ عَلَيْهِ وَالْوَاصِلِينَ إِلَيْهِ. (إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ) أَيِ: اخْتِيَارُ أَهْلِ الْفَضْلَةِ الزَّائِدَةِ حَسَبًا أَوْ نَسَبًا أَوْ سَبْقًا أَوْ صَلَاحًا فَيُقَدِّمُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الدُّخُولِ وَالتَّوَجُّهِ وَالْإِقْبَالِ وَالْإِفَادَةِ وَإِبْلَاغِ أَحْوَالِ الْعَامَّةِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: بِإِذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ وَأَبْعَدَ الْحَنَفِيُّ حَيْثُ جَعَلَ الضَّمِيرَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ، وَالْإِضَافَةَ إِلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ وَأَصْلُهُ صِغَارُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهِمَا، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَخُصُّ أَهْلَ الْفَضْلِ بِأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَيُقَسِّمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (وَقَسْمُهُ) أَيْ: فِيهِمْ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمَهُ، وَرَفَعَهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَفْعُولُ مُقَدَّرٌ أَيْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا

وَالْآخِرَةِ وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْجُزْءِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ (فَضْلِهِمْ) فِي الدِّينِ احْتِرَازًا عَنْ فَضْلِهِمْ فِي أَحْسَابِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ كَمَا وَرَدَ (خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا) (فَمِنْهُمْ) الْفَاءُ لِتَفْصِيلِ مَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا أَيْ: فَبَعْضُ أَهْلِ الْفَضْلِ أَوِ الْأَصْحَابِ وَالنَّاسِ (ذُو الْحَاجَةِ) أَيِ: الْوَاحِدَةِ (وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ) وَالْحَاجَاتُ أَعَمُّ مِنَ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ (فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ) أَيْ: يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَشْغُولَةً بِذِي الْحَاجَةِ وَمَنْ بَعْدَهُ أَوْ فَيُشْغَلُ بِهِمْ وَيُشْغَلُونَ بِهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ (بِهِمْ) وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ هُوَ الثَّانِي لِلتَّفَاعُلِ (وَيُشْغِلُهُمْ) مِنِ الْإِشْغَالِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ مِنَ الشَّغْلِ أَيْ: يَجْعَلُهُمْ مَشْغُولِينَ (فِيمَا يُصْلِحُهُمْ) قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُشْغِلُهُمْ مِنَ الْإِشْغَالِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي التَّاجِ: الْإِشْغَالُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ فِي الشَّغْلِ انْتَهَى. وَقَالَ مِيرَكُ: فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ الْمَسْمُوعَةِ الْمُصَحَّحَةِ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِشْغَالِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ شَغَلَتْ فُلَانًا شَاغِلٌ وَلَا تَقُلْ أَشْغَلَتْ؛ لِأَنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْرَأَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنَ الْمُجَرَّدِ وَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِالضَّمِّ فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاقُ الرَّدَاءَةِ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: أَشْغَلَهُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ، قُلْتُ: لَوْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ لَكَفَرَ مَنْ قَالَ بِالرَّدِيئَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْعَلُ الدَّاخِلِينَ عَلَيْهِ مَشْغُولِينَ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَفِي نُسْخَةٍ: أَصْلَحَهُمْ وَفِي أُخْرَى بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ: يَشْغَلُهُمْ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُصْلِحُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ ثُمَّ قَوْلُهُ (وَالْأُمَّةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي يُصْلِحُهُمْ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ سَوَاءٌ كَانَتِ الْأُمَّةُ أُمَّةَ الدَّعْوَةِ وَالْإِجَابَةِ أَوْ أَعَمَّ مِنْهُمَا (مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُ) قَالَ الْحَنَفِيُّ: مِنْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ مَا يُصْلِحُهُمْ يَعْنِي أَنَّ مَا يُصْلِحُهُمْ وَالْأُمَّةَ هُوَ مَسْأَلَتُهُمْ عَنْهُ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْهُمْ بَدَلَ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ الْأَصْوَبَ أَنَّ «مِنْ» تَعْلِيلِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى مِنْ أَجْلِ سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهُ أَيْ: عَنْ مَا يُصْلِحُهُمْ وَفِي نُسْخَةٍ عَنْهُمْ أَيْ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015