النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ أَيْ: وَعَنْ طَرِيقَتِهِ الْمَسْلُوكَةِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي مَجْلِسِهِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ مَخْرَجِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ: حُسْنِ طَرِيقَتِهِ وَهَيْئَتِهِ وَيَجُوزُ فَتْحُهُ، وَمَعْنَاهُ حِينَئِذٍ: الْمِثْلُ وَالْمَذْهَبُ انْتَهَى. وَلَا مَعْنَى لِلْمِثْلِ وَالْمَذْهَبِ هُنَا اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمَذْهَبِ الْمَقْصِدُ كَمَا فَسَّرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: شَكْلُهُ مَعْنَاهُ عَمَّا يُشَاكِلُ أَفْعَالَهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ كِلَيْهِمَا، وَفِي النِّهَايَةِ الشِّكْلُ بِالْكَسْرِ الدَّلُّ، وَبِالْفَتْحِ الْمِثْلُ وَالْمَذْهَبُ وَفِيهِ مَا سَبَقَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: الشَّكْلُ الشَّبَهُ وَالْمِثْلُ وَيُكْسَرُ وَمَا يُوَافِقُكَ وَمَا يَصْلُحُ لَكَ، يُقَالُ: هَذَا مِنْ هَوَايَ وَمِنْ شَكْلِي، وَوَاحِدُ الْأَشْكَالِ لِلْأُمُورِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُتَشَكِّلَةِ، وَصُورَةُ الشَّيْءِ الْمَحْسُوسَةُ وَالْمُتَوَهَّمَةُ وَالشَّاكِلَةُ وَالشَّكْلُ وَالنَّاحِيَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَالْمَذْهَبُ قَالَ مِيرَكُ: وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ صِفَةِ شَكْلِهِ مَعَ قَوْلِهِ (فَلَمْ يَدَعْ) أَيْ: لَمْ يَتْرُكْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ (شَيْئًا) أَوْ فَلَمْ يَدَعِ الْحُسَيْنُ مِنْهُ، أَيْ: مِنَ السُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِهِ شَيْئًا، وَالْعَجَبُ مِنْ شَارِحٍ؛ حَيْثُ قَالَ: الظَّاهِرُ جَعْلُ ضَمِيرِ مِنْهُ لِعَلِيٍّ (قَالَ الْحُسَيْنُ: فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ النَّبِيِّ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهَذَا بَيَانٌ لِمَدْخَلِهِ (فَقَالَ: كَانَ إِذَا آوَى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ مَدُّهُ أَيْ: إِذَا رَاجَعَ (إِلَى مَنْزِلِهِ) وَدَخَلَهُ (جَزَّأَ) بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ أَيْ: قَسَّمَ وَوَزَّعَ (دُخُولَهُ) أَيْ: زَمَانَ دُخُولِهِ (ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ جُزْأً) أَيْ: حِصَّةً (لِلَّهِ) أَيْ: لِعِبَادَتِهِ مِنْ طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ وَتِلَاوَةٍ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ إِنْ كَانَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِبْدَالِ، وَكُلٌّ مِنْ كُلٍّ إِنْ كَانَ قَبْلَهُ (وَجُزْأً لِأَهْلِهِ) أَيْ: لِلِالْتِفَاتِ إِلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِمْ وَسَمَاعِ أَقْوَالِهِمْ وَرُؤْيَةِ أَفْعَالِهِمْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَالْمُكَالَمَةِ وَالْمُلَايَمَةِ وَالْمُدَاعَبَةِ وَالْمُصَاحَبَةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يُرْسِلُ لِعَائِشَةَ بَنَاتِ الْأَنْصَارِ يَلْعَبْنَ مَعَهَا وَأَنَّهَا إِذَا شَرِبَتْ مِنْ إِنَاءٍ أَخَذَهُ فَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى مَوْضِعِ فَمِهَا فَشَرِبَ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْلَ صَفِيَّةَ أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَاءً مِنْ طَعَامٍ فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ كَسَرْتُهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَتُهُ؟ قَالَ: إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ، وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَخَذْتُهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَضَرَبْتُهَا وَكَسَرْتُهَا فَقَامَ يَلْتَقِطُ اللَّحْمَ وَالطَّعَامَ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ، وَهَذَا مِنْ خُلُقِهِ الْعَظِيمِ، وَحِلْمِهِ الْكَرِيمِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْغَيْرَى لَا تُؤَاخَذُ لِحَجْبِ عَقْلِهَا بِمَا يَثُورُ عَنِ الْغَيْرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ الْغَيْرَى لَا تُبْصِرُ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ أَعْلَاهُ (وَجُزْأً لِنَفْسِهِ) أَيْ: وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا يَعُودُ عَلَيْهَا بِالتَّكْمِيلِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ، وَفَصَلَهُ عَنِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لِمَحْضِ الشُّهُودِ بِجَمَالِ وَاجِبِ الْوُجُودِ وَصَاحِبِ الْكَرَمِ وَالْجُودِ فِي مَرْتَبَةِ جَمْعِ الْجَمْعِ، وَالْبَقَاءِ بَعْدَ الْفَنَاءِ، فَكَانَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مُخْتَصًّا بِحَالِ الْفَنَاءِ الْمُنَاسِبِ لِمَقَامِ التَّضَرُّعِ وَالثَّنَاءِ، وَالْجُزْءُ الثَّانِي مُخْتَصًّا بِبَقَاءِ الْحَظِّ النَّفْسَانِيِّ، وَالْجُزْءُ الثَّالِثُ هُوَ مَقَامُ الْجَمْعِ الْأَكْمَلِ، وَهُوَ حَالُ الْأَصْفِيَاءِ الْكُمَّلِ الَّذِينَ رُتْبَتُهُمُ التَّكْمِيلُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ (ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ) أَيِ: الْمُخْتَصَّ بِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْمُنِيفَةِ الْمُحِيطَةِ بِالطَّرَفَيْنِ مِنَ الْحَالَيْنِ (وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ
النَّاسِ) أَيْ: عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنَ الْوَارِدِينَ عَلَيْهِ الْمُلْتَجِئِينَ إِلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (فَرَدَّ) وَفِي نُسْخَةٍ فَيَرُدُّ أَيْ فَيَصْرِفُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ذَلِكَ) أَيِ: الْجُزْءَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ (بِالْخَاصَّةِ) أَيْ: بِسَبَبِهِمْ (عَلَى الْعَامَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِـ (رَدَّ) قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْخَاصَّةَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ دُونَ الْعَامَّةِ فَتَسْتَفِيدُ ثُمَّ تُخْبِرُ الْعَامَّةَ بِمَا سَمِعَتْ مِنَ الْعُلُومِ فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوصِلُ الْفَوَائِدَ إِلَى الْعَامَّةِ بِوَاسِطَةِ الْخَاصَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ (يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَيَخَرُجُونَ أَدِلَّةً) . وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَاءَ فِيهِ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ: يَرُدُّ عَلَى