فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ اخْتَارَهُمَا بَعْدَ نُزُولِهِمَا، وَلَا يَخْفَى وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْعَظَمَةِ لِلرُّكُوعِ الْمُشِيرِ إِلَى نِهَايَةِ الْخُضُوعِ، وَالْأَعْلَى لِلْخَفْضِ الدَّالِ عَلَى كَمَالِ الْخُشُوعِ (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَانَ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنَ السُّجُودِ، وَكَانَ يَقُولُ) أَيْ: فِي جُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي) وَهَذَا إِنَّمَا يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا فِي النَّوَافِلِ، وَقَوْلُهُ (حَتَّى) غَايَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: لَا يَزَالُ يُطَوِّلُ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ حَتَّى (قَرَأَ) فِيهِنَّ (الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ وَالْأَنْعَامَ. شُعْبَةُ) أَيْ: مِنْ بَيْنِ الرُّوَاةِ هُوَ (الَّذِي شَكَّ فِي الْمَائِدَةِ وَالْأَنْعَامِ) وَفِي نُسْخَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوِ الْأَنْعَامِ، قَالَ مِيرَكُ: ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي رَكْعَةٍ لَكِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ هَلْ هُنَّ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أُخَرَ؟ قُلْتُ: الظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي
لِئَلَّا يَلْزَمَ إِطَالَةُ الثَّانِيَةِ قَالَ: وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ ; فَإِنَّهُ قَالَ: بَعْدَ قَوْلِهِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَرَأَ فِيهِنَّ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ، وَالْأَنْعَامَ شَكَّ شُعْبَةُ فَيُحْمَلُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَلَيْهَا بِأَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ حَتَّى قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِقَرِينَةِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، قُلْتُ: رِوَايَتُهُ غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي الْمَقْصُودِ، وَإِنْ كَانَتْ نَصًّا فِي الْمَعْدُودِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ أَوْ سُؤَالٌ سَأَلَ اللَّهَ أَوْ تَعْوِيذٌ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ، ثُمَّ قَامَ نَحْوًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ، قُلْتُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَرَأَ الْمَائِدَةَ أَوِ الْأَنْعَامَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى، أَوْ فِي ثَلَاثٍ أُخَرَ، قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الْأَحْنَفِ، عَنْ صِلَةِ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ فَمَضَى، فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَتَيْنِ، فَمَضَى فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى فَافْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ، الْحَدِيثَ. قُلْتُ: تَقْدِيمُ النِّسَاءِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُسْتَقِرُّ مِنْ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا اسْتَقَرَّ عِنْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْتِيبِ السُّوَرِ عَلَى خِلَافٍ فِي أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ بِخِلَافِ تَرْتِيبِ الْآيِ ; فَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ قَالَ مِيرَكُ: فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ صَرِيحَتَانِ فِي قِرَاءَةِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ مِيرَكُ: وَأَظُنُّ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَالصَّوَابُ ثُمَّ قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ ثُمَّ رَكَعَ، وَلِذَلِكَ حَذَفَ التِّرْمِذِيُّ قَوْلَهُ: فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَرَأَ فِيهِنَّ الْبَقَرَةَ إِلَى آخِرِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ، وَتَكُونُ صَلَاةُ حُذَيْفَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَتْ فِي لَيْلَتَيْنِ فِي إِحْدَاهُمَا قَرَأَ السُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي رَكْعَةٍ، وَفِي الْأُخْرَى قَرَأَ السُّوَرَ الْأَرْبَعَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ يُقَالُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَهْمًا وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ ; فَإِنَّ فِيهِمَا التَّفْصِيلُ وَالتَّبْيِينُ حَيْثُ ذَكَرَ فِيهِمَا، «فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ» حَتَّى قَالَ: «يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ» فَمَضَى إِلَى آخِرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ اتِّحَادُ الْمُخْرِجِ، وَهُوَ صِلَةُ بْنُ زُفَرَ، وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ لِأَجْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَالِاضْطِرَابِ لَمْ يُخْرِجْهُ فِي صَحِيحِهِ أَصْلًا انْتَهَى.
وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ لَكِنَّ رِوَايَةَ الشَّيْخَيْنِ: «فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ» إِلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُمَا أَنَّهُ قَرَأَ الْكُلَّ فِي رَكْعَةٍ خَطَأٌ مِنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَمَّا أَوَّلًا، فَلِمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَيْسَ لَهُ رِوَايَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: «فَافْتَتَحَ» إِنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ لَا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ مَفْهُومَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ السُّوَرَ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ فِي رَكْعَةٍ لَا أَنَّهُ قَرَأَ الْكُلَّ فِي رَكْعَةٍ.
(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ) قِيلَ هَذَا مَجْهُولٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الرِّجَالِ، فَلَعَلَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ الْبَصْرِيُّ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ) اسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ،