أَوِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى جَوَازِ كُلٍّ مِنَ الِاسْتِعْمَالَاتِ (ذُو الْمَلَكُوتِ) أَيْ: مَالِكُ الْمُلْكِ وَصِيغَةُ «فَعَلُوتَ» لِلْمُبَالَغَةِ وَالْكَثْرَةِ كَمَا فِي رَحَمُوتٍ وَرَهَبُوتٍ وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ: ذُو الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَوَّلِ ظَاهِرُ الْمُلْكِ، وَمِنَ الثَّانِي بَاطِنُهُ كَمَا يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِعَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (وَالْجَبَرُوتِ) فَعَلُوتٌ مِنَ الْجَبْرِ وَهُوَ الْقَهْرُ قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ فَسُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ الْعِبَادَ بِالْمَوْتِ، وَغَيْرِهِ مِمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ، فَهُوَ الْجَبَّارُ الَّذِي يَقْهَرُ عِبَادَهُ عَلَى مَا أَرَادَهُ (وَالْكِبْرِيَاءِ) أَيِ: التَّرَفُّعِ، وَالتَّنَزُّهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ (وَالْعَظَمَةِ) أَيْ: تَجَاوُزِ الْقَدْرِ عَنِ الْإِحَاطَةِ، وَالْكِبْرِيَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ، وَالْعَظْمَةُ إِشَارَةٌ إِلَى جَمَالِ الصِّفَاتِ (قَالَ) أَيْ: حُذَيْفَةُ (ثُمَّ قَرَأَ الْبَقَرَةَ) أَيْ: مَعَ فَاتِحَتِهَا وَهِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: ثُمَّ اسْتَفْتَحَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، أَوْ بَعْدَ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ افْتَتَحَ بِالْبَقَرَةِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ; فَإِنَّ مِنْ عَادَتْهِ دَوَامَ مُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَقَدْ قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» عَلَى خِلَافٍ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ أَوِ الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الرَّاوِي لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ رَكَعَ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا) أَيْ: قَرِيبًا (مِنْ قِيَامِهِ) وَالْمُرَادُ أَنَّ رُكُوعَهُ كَانَ مُتَجَاوِزًا عَنِ الْمَعْهُودِ كَالْقِيَامِ، وَأَغْرَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ (مِنْ) هَذِهِ لِلْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ نَحْوًا أَيْ: مَثَلًا، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ
مِنْ قِيَامِهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ (وَكَانَ يَقُولُ) قِيلَ هُوَ حِكَايَةٌ لِلْحَالِ الْمَاضِيَةِ اسْتِحْضَارًا، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ أَنَّ «كَانَ» يُحَوِّلُ «يَقُولُ» مِنْ مَعْنَى الْحَالِ إِلَى الْمُضِيِّ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ لِيَدُلَّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ الْمُشْعِرِ بِالْكَثْرَةِ، فَهُوَ فِي قُوَّةِ وَقَالَ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) بِفَتْحِ يَاءِ الْإِضَافَةِ، وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) كَرَّرَهُ لِإِفَادَةِ التَّكْثِيرِ (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَانَ قِيَامُهُ) أَيْ: بَعْدَ الرُّكُوعِ (نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ، وَكَانَ يَقُولُ لِرَبِّيَ الْحَمْدُ) بِتَقْدِيمِ الْجَارِّ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ وَالِاخْتِصَاصِ (لِرَبِّيَ الْحَمْدُ) التَّكْرَارُ لِبَيَانِ الْإِكْثَارِ (ثُمَّ سَجَدَ فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ) أَيِ: اعْتِدَالِهِ مِنَ الرُّكُوعِ (وَكَانَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى) اخْتِيرَ التَّسْبِيحَاتُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: