عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُهُ قَالُوا: وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِمَالَةِ الصَّغِيرِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّغِيرِ يُفِيدُ أَنَّ الْكَبِيرَ مَمْنُوعٌ مِنَ اللَّعِبِ بِالطَّيْرِ لِمَا وَرَدَ مَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ فِيهِ. قِيلَ وَفِيهِ جَوَازُ صَيْدِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ لَكِنَّ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا أَنَّهُ كَانَ مِمَّا صِيدَ خَارِجَهَا، وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ ثَبْتٍ
(وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: لِلْغُلَامِ. (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ نُغَيْرٌ فَيَلْعَبُ بِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ يَلْعَبُ بِهِ.
(فَمَاتَ فَحَزِنَ الْغُلَامُ عَلَيْهِ، فَمَازَحَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟) .
قَالُوا فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الشَّيْءِ، وَهُوَ يَعْلَمُهُ ; فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَدْ عَلِمَ بِمَوْتِ النُّغَيْرِ. وَفِيهِ إِبَاحَةُ تَصْغِيرِ الْأَسْمَاءِ، وَإِبَاحَةُ الدُّعَابَةِ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا.
وَفِيهِ كَمَالُ خُلُقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ رِعَايَةَ الضُّعَفَاءِ مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ الْأَصْفِيَاءِ.
قَالَ مِيرَكُ: وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ فِي بَيْتٍ فِيهِ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ إِذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ قُلْتُ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ غَرِيبٌ، وَاسْتِنْبَاطٌ عَجِيبٌ إِذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا مِنْ أَيْنَ لَهُ ثُبُوتُ الْخَلْوَةِ مَعَهَا مَعَ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ ابْنُهَا، وَهُوَ خَادِمٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاضِرٌ مَعَهُ مَعَ أَنَّهُ عَلَى فَرْضِ التَّسْلِيمِ فِعْلُهُ هَذَا مَعَ نَهْيِهِ عَنْهُ مُوجِبٌ لِلْقَوْلِ بِالِاخْتِصَاصِ إِذْ حُرْمَةُ الْخَلْوَةِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ إِجْمَاعِيَّةٌ لَا أَعْرِفُ فِيهَا خِلَافًا لَا سَلَفًا، وَلَا خَلَفًا وَلَوْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهَا بَعْضُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ، وَالْمَلَاحِدَةِ وَاللَّهُ وَلِيُّ دِينِهِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: لَوْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، وَالْمَرْأَةُ رَابِعَةَ الْعَدَوِيَّةَ لَمَا حَلَّ الِاخْتِلَاءُ بَيْنَهُمَا.
وَسَبَبُهُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَرَدَتْ عَلَى إِطْلَاقِهَا لَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْغَلَبَةِ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْجَارِيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَنَحْوَهَا، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ أَبْحَاثًا لَطِيفَةً وَنُقُولًا شَرِيفَةً أَحْبَبْتُ أَنْ أَذْكُرَهَا، وَأُحَقِّقَ عَجْرَهَا وَبَجْرَهَا مِنْهَا قِيلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ صَيْدَ الْمَدِينَةِ مُبَاحٌ بِخِلَافِ مَكَّةَ، وَهُوَ غَلَطٌ وَأَيُّ دَلَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّ ذَلِكَ الطَّيْرَ مِنْ أَيْنَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ اصْطِيدَ فِي الْحَرَمِ، وَلَيْسَ احْتِمَالُ اصْطِيَادِهِ فِيهِ أَوْلَى مِنِ احْتِمَالِ اصْطِيَادِهِ خَارِجَهُ. قُلْتُ: هَذَا خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِ آدَابِ الْبَحْثِ فَإِنَّ الْقَائِلَ إِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ وُجُودِ الصَّيْدِ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّهُ مِمَّا اصْطِيدَ فِيهَا لِأَنَّهُ مَمْنُوعُ الْأَصْلِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنَّهُ صِيدَ خَارِجَهَا فَيَصْلُحُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا فَأَيُّ غَلَطٍ فِي الْقَوْلِ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَ الْقَائِلِ هُوَ أَنَّ الصَّيْدَ إِذَا أُخِذَ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَأُدْخِلَ فِيهِ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ