بِلَفْظِ ضِفْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ صَارَ ضَيْفًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: ضِفْتُ الرَّجُلَ إِذَا نَزَلْتُ بِهِ فِي ضِيَافَتِهِ
وَأَضَفْتُهُ إِذَا أَنْزَلْتُهُ وَتَضَيَّفْتُهُ إِذَا أَنْزَلْتُ بِهِ، وَتَضَيَّفَنِي إِذَا أَنْزَلَنِي، وَقَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: ضِفْتُهُ أَضِيفُهُ ضَيْفًا، نَزَلْتُ عَلَيْهِ ضَيْفًا كَتَضَيَّفْتُهُ، وَفِي الصِّحَاحِ أَضَفْتَ الرَّجُلَ وَضَيَّفْتَهُ إِذَا أَنْزَلْتَهُ لَكَ ضَيْفًا وَقَرَّبْتَهُ، وَضِفْتُ الرَّجُلَ ضِيَافَةً، إِذَا نَزَلْتَ عَلَيْهِ ضَيْفًا، وَكَذَا تَضَيَّفْتُهُ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ مَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مُقْحَمَةٌ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الشَّارِحِ زَيْنِ الْعَرَبِ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ لِمَعَ عِنْدَ الْإِضَافَةِ ثَلَاثَ مَعَانٍ، الْأَوَّلُ مَوْضِعُ الِاجْتِمَاعِ، الثَّانِي زَمَانُهُ، الثَّالِثُ مُرَادِفُهُ عِنْدَ هَذَا، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الضِّيَافَةُ فِي بَيْتِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ابْنَةِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَا أَفَادَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ جَعَلْتُهُ ضَيْفًا لِي حَالَ كَوْنِي مَعَهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَعْنَى ضِفْتُ لُغَةً (فَأُتِيَ بِجَنْبٍ مَشْوِيٍّ) قَالَ مِيرَكُ: وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ مَشْوِيٍّ (ثُمَّ أَخَذَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الشَّفْرَةَ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، وَهِيَ السِّكِّينُ الْعَرِيضُ الَّذِي امْتُهِنَ بِالْعَمَلِ، وَيُسَمَّى الْخَادِمُ شَفْرَةً ; لِأَنَّهُ يُمْتَهَنُ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا تُمْتَهَنُ هَذِهِ فِي قَطْعِ اللَّحْمِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (فَحَزَّ) بِتَشْدِيدِ الزَّايِ أَيْ فَقَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِي) أَيْ لِأَجْلِي وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحَزَّ (بِهَا) أَيْ بِالشَّفْرَةِ وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ، كَمَا فِي كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ، فَيَكُونُ الْجَارُّ مُتَعَلِّقًا بِحَزَّ أَيْضًا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْجَنْبِ الْمَشْوِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ فَجَعَلَ أَيْ طَفِقَ وَشَرَعَ يَحُزُّ لِي، وَفِي نُسْخَةٍ فَجَعَلَ يَحُزُّ، فَحَزَّ لِي، وَأُخْرَى فَجَعَلَ يَحُزُّ لِي بِهَا مِنْهُ، وَالْحَزُّ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ الْحُزَّةُ بِالضَّمِّ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَزَّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ، وَانْهَشُوهُ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ، وَقَالَا: لَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ احْتِزَازُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخًا لِنَهْيِهِ عَنْ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ، وَأَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ تَنْبِيهًا، عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، وَقِيلَ: مَعْنَى كَوْنِهِ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ أَيْ مِنْ دَأْبِهِمْ وَعَادَتِهِمْ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ: كُلُّ فَاعِلٍ لَا يُسَمَّى صَانِعًا حَتَّى يَتَمَكَّنَ فِيهِ وَيَتَدَرَّبَ يَعْنِي لَا تَجْعَلُوا الْقَطْعَ بِالسِّكِّينِ دَأْبَكُمْ وَعَادَتَكُمْ كَالْأَعَاجِمِ، بَلْ إِذَا كَانَ نَضِيجًا فَانْهَشُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَضِيجًا فَحُزُّوهُ بِالسِّكِّينِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ فِي لَحْمٍ قَدْ تَكَامَلَ نُضْجُهُ، أَوْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَطْيَبُ ; وَلِذَا عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ، وَالْهَنِيُّ اللَّذِيذُ الْمُوَافِقُ لِلْغَرَضِ، وَالْمَرِيءُ مِنَ الِاسْتِمْرَاءِ هُوَ ذَهَابُ ثِقَلِ الطَّعَامِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ انْهَشُوا اللَّحْمَ نَهْشًا، فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هَذَا ضَعِيفٌ، لَكِنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ فَهُوَ حَسَنٌ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ النَّهْشَ أَوْلَى، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا مَرَّ، أَوْ عَلَى الصَّغِيرِ وَالِاحْتِزَازُ عَلَى الْكَبِيرِ ; لِشِدَّةِ لَحْمِهِ، هَذَا وَإِنَّمَا حَزَّ لِلْمُغِيرَةِ تَوَاضُعًا مِنْهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِظْهَارًا لِمَحَبَّتِهِ لَهُ، لِيَتَأَلَّفَهُ لِقُرْبِ إِسْلَامِهِ، وَحَمْلًا لِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ جَلَّتْ مَرْتَبَتُهُ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ صُدُورِ مِثْلِ ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ بَلْ لِأَصَاغِرِهِمْ (قَالَ) أَيِ الْمُغِيرَةُ (فَجَاءَ بِلَالٌ) وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ يُعَذَّبُ فِي ذَاتِ اللَّهِ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَعْتَقَهُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمَوَالِي، شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا بَعْدَهَا وَمَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، مِنْ غَيْرٍ عَقِبٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ الصَّغِيرِ (يُؤْذِنُهُ) بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ، وَيُبْدَلُ وَاوًا مِنَ الْإِيذَانِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ، وَقَدْ يُبَدَّلُ وَتَشْدِيدُ الذَّالِ مِنَ التَّأْذِينِ بِمَعْنَاهُ، لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمُشَدَّدَ مُخْتَصٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِإِعْلَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: (بِالصَّلَاةِ) يُفِيدُ التَّجْرِيدَ،