قال بعض مصنّفي الناسخ والمنسوخ: وجعل الشافعي الآية
محكمة عامة معمولًا بها.
قال: وهو قول عطاء، وأجاز في الرجل يحلف ليضربن عبده عشر ضربات أن يضربه ضربة واحدة بعشرة قضبان.
وجعل الآية محكمة غير منسوخة، ولا مخصوصة.
قال: وهذا مذهب يدل على أن شريعة مَنْ قبلنا لازمة لنا حتى يأتي
نص ينقلنا عنها.
قال: وهذا مذهب يتناقض؛ لأن شرائع مَنْ قَبلنا
مختلفة في كثير من الأحكام، والبينات، والرتب، والأعداد، وغير ذلك
من تحريم، وتحليل كما قال عزّ وجل: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)
قال: وإذا كانت مختلفة في التحريم والتحليل فكيف يلزمنا تحريم شيء وتحليله في الحال الواحدة؟
ولأن الشرائع مختلفة فبأي شريعة يلزمنا العمل؟
إذ لا سبيل إلى العمل بالجميع لاختلافها.
وأما قوله عزّ وجل: (فَبِهُدَاهُم اقْتَدِهْ)
فإنما أراد الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وما لا تختلف فيه الأديان، إذ غير جائز أن يكون المراد: فبشرائعهم اقتد.
قال: فإن ادعى مدع أنّ أيوب عليه السلام برَّ بذلك من يمينه، وأنه إجماع من شرائع الأنبياء، فيلزمنا فعله، سئل عن الدليل، فلا يجد إليه سبيلاً.
قال: واختلف أصحاب مالك في مذهبه، فمنهم من قال: مذهبه
العمل بشريعة من قبلنا؛ لأنه قد - احتج بقوله عز وجل: (وكتَبْنَا عَلَيْهِمْ
فِيهَا) الآية.