الذكر وعدم النسيان

ومن شروط مفسدات الصوم الذكر وعدم النسيان.

ونقول: النسيان أيضاً له أمثلة: رجل كان صائماً، فعطش، فشرب ناسياً أنه صائم، سواءً في الفريضة أو في النافلة، ثم بعد أن شرب ذكر أنه صائم، فصومه صحيح، وليس عليه شيء.

حسناً! لو رَوِيَ؟ ولو رَوِيَ؛ لكن إذا ذََكََرَ ولو كان الماء في فمه وجب عليه أن يَمُجَّه، ولا يجوز له ابتلاعه بعد الذكر؛ لأن العذر زال.

فإذا قال قائل: ما هو الدليل على ما ذكرتم؟ نقول: الدليل على ما ذكرنا نوعان: عام.

وخاص.

أما العام: فقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] .

هذا يشمل النسيان في الصوم، والخطأ في الصوم، والجهل من الخطأ.

وأما الخاص: ففي الجهل: ما ثبت في صحيح البخاري: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) هكذا قالت.

وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لو كان إفطارهم مفسداً لصيامهم لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالقضاء، ولو أمرهم بالقضاء لنُقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم بالقضاء صار القضاء من الشرع، وإذا كان القضاء من الشرع فلابد أن يُنقل، وهذه أيضاً من القواعد المهمة لطالب العلم، أنه إذا لم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء فإنه يُعلم أنه ليس من الشرع؛ لأنه لو كان من الشرع لنُقل؛ لأن الشرع محفوظ؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ولا يمكن أن يُنسى، ولما لم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء عُلِم أن القضاء ليس بواجب، إذْ لو كان واجباً لأمرهم، ولَنُقِل، واضح؟ هذا جهل بالحكم وإلاَّ بالحال؟ بالحال.

الجهل بالحكم: عدي بن حاتم رضي الله عنه أصبح صائماً، وتلا قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] .

أتدرون ماذا صنع؟! أخذ عقالين وهما: الحبلان اللذان تُعقل بهما الإبل، أسود وأبيض، فوضعهما تحت الوسادة، وجعل يأكل وينظر إلى العقالين، فلما تبيَّن الأبيض من الأسود أمسك، ظناً منه أن الآية الكريمة يُراد بها هذا المعنى.

فلما أصبح وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك قال له: (إن وِسادك لَعَريض أن وَسِع الخيط الأبيض والأسود) عريض يعني: واسع؛ لأن الخيط الأبيض هو: النهار؛ بياض النهار، والأسود: سواد الليل؛ لكن عدياً لم يتبين له ذلك، فجعل يأكل حتى ارتفع الضياء، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، لماذا؟ لأنه كان جاهلاً، ونوع الجهل؟ جهل بالحكم، فلا يجب القضاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015