فلو أن الإنسان أكل وهو يظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه قد طلع، فصومه صحيح؛ لأنه جاهل؛ لكن يجب عليه من حين أن يعلم أن الفجر قد طلع أن يمسك، حتى لو كانت اللقمة في فمه وجب عليه لفظُها، أو كان الماء في فمه وجب عليه مَجُّه، ولا يجوز أن يبلع بعد العلم بأن الفجر قد طلع.
مثال آخر: رجل سمع في (الراديو) أذان الرياض، فظن أنه أذان عنيزة فأفطر، ثم بعد أن أكل وشرب أذَّن المؤذنون؛ لأن التوقيت بين عنيزة والرياض الفرق عشر دقائق تقريباً، أكل وشرب ثم أذن الناس، نقول لهذا الرجل: صومك صحيح، كيف صومه صحيح وهو أكل قبل أن تغرب الشمس؟ نقول: لأنه كان جاهلاً، لو علم أن هذا الأذان ليس أذان بلده ما أكل، إذاً: هو جاهل.
مثالٌ ثالث: رجل احتجم، يظن أن الحجامة لا تفطِّر، يعني: لم يعلم أن الحجامة تفطِّر، فقيل له: إن الحجامة تفطِّر، بعد أن احتجم، فهل يفطر؟ لا؛ لأنه كان جاهلاً؛ لكن الفرق بين هذا الجهل والجهل في المثالين السابقين أن الجهل في المثالين السابقين جهل بالحال، والجهل في هذا المثال الثالث جهل بالحكم، ولا فرق بين الجهل بالحكم والجهل بالحال، كلاهما يُعذر به، ولا يترتب على الفاعل شيء؛ لأنه جاهل.
مثال رابع: رجل جامع زوجته في نهار رمضان في حال يلزمه الصوم، وهو يدري أن الجماع حرام، وأنه مفطِّر؛ لكن لم يعلم أن فيه كفارة، نعم، نقول: صومه فاسد لا شك، لأن عالم أنه يفطِّر؛ ولكن هل تلزمه الكفارة؟ لو قال: أنا ما علمتُ أن في ذلك كفارة، ولو علمتُ أن في ذلك كفارة ما فعلتُ، نقول: جهلك بالعقوبة لا يمنع العقوبة، أنت قد علمت أنه حرام، وأنك قد ارتكبت إثماً، والعقوبة ليست إليك، إلى الله، ولهذا لم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي جاء إليه وقال: (يا رسول الله! هلكتُ، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان وأنا صائم) ثم أمره بالكفارة، ولم يعذره، مع أن الرجل يعلم عن الكفارة أو لا؟ لا يعلم، جاء يستفتي.
إذاً: فالجهل بالعقوبة ليس بعذر، تلزمه العقوبة؛ لأنه فعل سبب العقوبة وهو عالم، وليس معذوراً، فلزمته العقوبة؛ وهي الكفارة.