شروط مفسدات الصوم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الموافق للثامن من رمضان عام: (1411هـ) نتكلم على شروط مفسدات الصوم كما تكلمنا في الدرس الماضي عن المفسدات، وبينَّا أنها تسعة؛ لكن هذه المفسدات هي محظورات في الصيام، ولا تُفسد الصومَ إلا بشروط ثلاثة: 1/ العلم.

2/ والذكر.

3/ والقصد.

وذلك لأن المشهور عند أهل العلم أن المحظورات يُعذر فيها الإنسان: بالجهل.

والنسيان.

والإكراه.

أما المأمورات فإنها لا تسقط بالجهل، والنسيان، والإكراه، بل يفعل الإنسان ما يقدر عليه، ويتدارك ما يمكنه تداركه.

وهذه القاعدة التي أصَّلها أهل العلم لها دلائل من الكتاب والسنة، وهي قاعدة مفيدة لطالب العلم.

فمثلاً: الصلاة من باب فعل المأمور أو من باب ترك المحظور؟

صلى الله عليه وسلم من باب فعل المأمور.

والفرق بينهما لئلاَّ يشتبه: أن ما طُلب فعله فهو: مأمور، وما طُلب اجتنابه فهو: محظور.

فالصلاة طُلب فعلها، إذاًَ: هي من باب فعل المأمور، لم تسقط لا بالنسيان، ولا بالجهل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلِّها إذا ذكرها) يعني: إذا ذكرها بعد النسيان، وإذا استيقظ بعد النوم.

النائم تركها بقصد أو بغير قصد؟ بغير قصد، ولم تسقط عنه.

والناسي تركها بغير ذكر، ولم تسقط عنه (فليصلِّها إذا ذكرها) .

الجهل: جاء رجل فصلَّى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لا يطمئن في صلاته، وهو جاهل، لا يعلم أن الطمأنينة ركن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ) ولم يعذره بالجهل، بل كرر ذلك عليه حتى قال الرجل: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلِّمني، فعلَّمه) .

إذاً: ففعل المأمور لا يسقط بالنسيان، ولا يسقط بعدم القصد، ولا يسقط بالجهل؛ ولكن يجب أن نعلم أنه يسقط الإثم بالنسيان، والجهل، وعدم القصد؛ لكن يقارب الإنسان في إيجاد هذا الشيء الذي طُلب منه فعلُه، واضح يا جماعة؟ فالمحظور إذا فعله الإنسان جاهلاً، أو ناسياً، أو غير قاصد، فإنه لا يلحقه حكمه، يُعفى عنه نهائياً، كأنه لم يفعله.

ولهذه القاعدة أيضاً دلائل، فاجتناب النجاسة في الصلاة من باب ترك المحظور؛ لأنه يُقال: اجتنب النجاسة؛ لكن الطهارة من الحدث من باب فعل المأمور؛ لأنه يقال للمحدِث: تطهَّر، أما النجاسة فالمأمور يعني: يؤمر باجتنابها، فإذا فعلها الإنسان جاهلاًَ أو ناسياً فلا شيء عليه.

دليل هذه القاعدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم وعليه نعلان، وفيهما قذر، وفي أثناء الصلاة جاءه جبريل فأخبره أن فيهما قذراً، فخلعهما، ومضى في صلاته) مضى في صلاته.

إذاً: كان أول صلاته متلبساً بمحظور وهو النجاسة، ولم يبطل أول الصلاة، لماذا؟ لأنه كان جاهلاً، لم يعلم عليه الصلاة والسلام أن في نعليه قذراً، فعُفي عنه؛ لأنه كان جاهلاً.

حسناً! ترك الأكل والشرب للصائم من باب ترك المحظور، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) فأسقط عنه حكم هذا المحظور؛ لأنه كان ناسياً.

وهذه القاعدة تنفعك أيضاً في غير العبادات: لو أن الإنسان حلف وقال: والله لا أدخل بيت فلان، فدخل بيتاً وهو لا يدري أنه بيت فلان، ثم علم أنه بيت فلان، فهل تلزمه الكفارة؟ لا؛ لأنه كان جاهلاً، لا يعلم أنه بيته.

ولو قال: والله لا ألبس ثوبي هذا اليوم، ثم نسي فلبسه فليس عليه كفارة؛ لأنه ناسٍ، وبالحلف أصبح فعله محظوراً؛ لأنه ممنوع عليه، ممنوع عليه باليمين، فإذا فعله فقد فعل محظوراً.

ولو قال لزوجته: إن كلمتِ فلاناً فأنتِ طالق، فنسيَت وكلمَته، فإنها لا تطلُق، أو كلمت شخصاً لا تعلم أنه فلان، فتبيَّن أنه هو، فإنها لا تطلق؛ لأنها كانت جاهلة.

فالقاعدة هذه مفيدة لطالب العلم، ويدخل فيها من المسائل ما لا حصر له؛ لكن الإنسان إذا طبقها استراح.

وهناك أدلة منصوصة غير المسائل التي بالاستقراء أخذنا منها الحكم؛ لأن القواعد تؤخذ أحياناً من الاستقراء، بمعنى: أن الإنسان يجمع مسائل من السنة أو من القرآن، فتتكون من هذه المسائل قاعدة، وأحياناً تكون منصوصة عليها.

استمع إلى الآية الكريمة: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] .

{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .

فنقول: بناءً على هذه القاعدة: يُشترط لإفساد الصوم بالمفطِّرات ثلاثة شروط: أن يكون عالماً، وضده الجاهل.

وذاكراً، وضده: الناسي.

وقاصداً، وضده: من لم يقصد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015