فيها سوى الله، فجرد -صلى الله عليه وسلم- نفسه، وقام بكل مستطاعه ليخلص العرب من الجهالات، ويرتقي بهم إلى الحرية، حرية العبودية لله، ويستأصل منهم تلك الخرافات والضلالات، فدعاهم إلى كلمة واحدة، إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، إلى أن يقولوا هذه الكلمة، تنطق بها ألسنتهم، وتعمل بمقتضاها جوارحهم، وتعتقد معناها قلوبهم، وهو أن الله وحده هو المعبود لا أحدا سواه، وأن العبادة حق لله لا حق لأحد فيها أبدا، لا نبيا ولا غيره، فلما عرف القوم مدلول هذه الكلمة وأن مدلولها إفراد الله بالعبادة، وأن لا يكون مع الله شريك في أي نوع من أنواع العبادة – أبوا أن ينطقوا بها قائلين {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (?)
عرف القوم مدلول هذه الكلمة ومقتضاها وما دلت عليه، وأنها تدعو إلى إفراد الله بالعبادة، وأن يكون الله وحده هو المعبود الذي يخاف ويرجى ويتقرب إليه، ولا يكون لغيره شركة في ذلك، فاستكبروا عن قولها كما حكى الله عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (?) {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (?) .
[دعا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى تحقيق التوحيد قبل كل شيء]
إن محمدا -صلى الله عليه وسلم- لم يدع ابتداء إلى الصلاة ولا إلى الزكاة ولا إلى الحج ولا إلى غيره، وإنما جعل أول أمره اهتمامه بتحقيق التوحيد، بتحقيق لا إله إلا الله، بإرسالها في النفوس، باستئصال الشرك وعبادة غير الله، فاهتم بهذا الأمر العظيم غاية الاهتمام؛ لأن هذا الأصل بتحقيقه وتصفيته وتنقيحه تستنير القلوب، وتستضيء بوحي الله، وتنقاد الجوارح لأوامر الله، أما إذا كان القلب