والعمرة على طريقتين اثنتين: الطريقة الأولى: هو القِران، لكن إنما أقرَّه -عليه السلام- لمن كان قد ساقَ الهديَ من الحِلّ، أما من لم يسق الهدي من الحِلّ فقد أمرهُ بالفسخ، هذا نوع من التمتّع أن يقرن بين الحج والعمرة مع سوق الهدي هذا تمتّع، والتمتع الآخر والأعمّ والأشمل معنًى ورفعًا للحرج؛ هو تقديم العمرة بين يدي الحج وهذا النوع هو الذي انتهى إليه الرسول عليه السلام في تبليغه الناس في حجة الوداع كما هو معلوم من قوله عليه السلام المشهور: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سُقت الهدي ولجعلتها عمرة فأحلوا أيها الناس» قال جابر: «فأحلّ الناس وسطعت المجامر وأتوا النساء»، هذا الذي قاله الرسول عليه السلام في حجّة الوداع، وهي الحجة الوحيدة التي جاء بها الرسول عليه السلام بعد نزول الوحي عليه وصرح بهذا الحكم الصريح المبين، مع ذلك كان عمر -رضي الله عنه- يرى حرصًا منه على إكثار الأقدامِ، وتكثير الأسفار إلى بيت الله الحرام، كان يرى الفصل بين العمرة والحج بسفرتين لكي تتكرر زيارة الناس إلى المسجد، وفي ذلك ولا شك مصلحة دينية للأمة الإسلامية يومئذٍ، أنا لا يهمني الآن أن أقول هل هذا الاجتهاد منه صوابٌ أم خطأٌ مثل اجتهاده في جعل الطلاق بلفظ الثلاث في مجلس واحد ثلاثًا، هل هذه السياسة الشرعية صحيحة أم لا؟ ما يهمنا ذلك؛ لأن السياسة الشرعية قد تكون زمنية آنيّة؛ إما في زمن واحد ومكان واحد، أو في زمن واحد وأمكنة أخرى ثم تزول هذه السياسة بزوال المقتضي لها، لا يهمّنى
هذا، لكن يهمني هل يصحّ أن تُتّخَذ سياسة عمر في كل من المسألتين شريعة يستمرّ عليها المسلمون إلى يوم القيامة وتنعكس الشريعة، فيقال أن الطلاق بلفظ الثلاث هو طلقة واحدة، مع العلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رُفع إلى الرفيق الأعلى وهذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة، لا يمكن أن يقول مسلم بهذا الحكم المخالف للشرع، حسبه أن يقول إنّه اجتهاد من عمر أصاب في هذا الاجتهاد في زمنه، أما فيما بعد فلا يجوز اللجأ إليه.