لتشرح ذلك ولتبينه، فقال عليه الصلاة والسلام يوماً لأصحابه وهو جالس على الأرض من تواضعه ومن حوله كثير من أصحابه: فخط لهم على الأرض خطاً، ثم خط من حوله خطوطاً قصيرة، ثم تلى وهو يمر بأصبعه الشريفة على الخط الطويل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، لقد فسر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذه الآية الثانية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] يشرح قوله السابق: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 108] لذلك يقول علماء التفسير وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن سار مسيره كابن القيم الجوزية وابن دمشق ابن كثير صاحب التفسير المعروف بتفسير ابن كثير، كلهم يقولون: يجب على كل باحث وعالم أن يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالسنة التي هي أيضاً وحي من الله تبارك وتعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الحديث الصحيح عنه من قوله: «لا يقعدن أحدكم متكئاً على أريكته يقول: هذا كتاب الله، ما وجدنا فيه حلالاً حللناه، وما وجدناه حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» المثل هنا هي سنة الرسول عليه السلام، ولذلك قال من أشرنا إليهم من بعض أهل العلم آنفاً بأنه ينبغي تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة لأنها أيضاً من وحي الرحمن على قلب الرسول عليه الصلاة والسلام كما قال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ
يُوحَى} [النجم: 1 - 4] فإذاً: هناك وحيان وحي متلو ألا وهو القرآن، ووحي متعبد به لفهم القرآن.
فالآية السابقة حينما خط الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك الخط المستقيم الطويل تلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] أي: ولو طال عليكم الأمر امشوا في هذا الطريق المستقيم ولو طال عليكم، لأن الأمر كما قال عليه السلام في صحيح البخاري ومسلم: «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات» المكاره هو