الطرق حتى قال بعض غلاة الصوفية: إن الطرق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى هي بعدد أنفاس الخلائق؛ لأن ذلك يعني أنهم ليسوا بحاجة إلى أن يدرسوا علم الكتاب وعلم السنة، بل يخلو أحدهم في خلوة ويشترط فيها أن تكون مظلمة ولا يكتفي في ذلك، بل يغمض عينيه، ولا يقتصر على ذلك بل يضع رأسه بين ركبتيه ظلمات بعضها فوق بعض، مع ذلك فهو يهيئ نفسه بزعمه أن يتلقى لا يقولون الوحي؛ لأنهم إن قالوا ذلك خرجوا من دائرة الإسلام، لكن يقولون: يتلقى الإلهام من رب الأنام، فهو يعمل بمقتضى هذا الإلهام، فإذًا: هم ليس عندهم طريق واحدة توصل إلى الله تبارك وتعالى، خلافًا لكل ما سبق بيانه.
فأنا أقول: أنه لا بد لعلماء المسلمين حقًا أن يقربوا هذا الإسلام مصفًى من كل ما دخل فيه .. ما دخل في العقائد .. ما دخل في الأحاديث في السنة من أحاديث ضعيفة وموضوعة .. ما دخل في الفقه من آراء فجة وأقوال غريبة جدًا، فالإسلام يتبرأ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب كما كان يقال، ثم ما دخل في السلوك والأخلاق من انحراف مما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه من الاعتدال .. ما دخل في السلوك من الغلو في الزهد في الدنيا والانصراف عن الناس، والرسول عليه السلام يقول: إن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.
هؤلاء العلماء يُصَفُّون الإسلام من كل شائبة ومن كل دخيل في هذا الإسلام من أي جانب كان، سواء في العقائد أو في الفقه أو في الحديث أو في السلوك، ثم الشيء الثاني مع هذه التصفية ينبغي أن يقترن العمل بهذا العلم، ولذلك أنا أُلخِّص ذلك بكلمتين، لا بد للجماعة المسلمة حقًا أن تقوم بواجب أمرين اثنين: التصفية والتربية، تصفية الإسلام مما ذكرنا آنفًا، بحيث يعود المسلمون إلى فهم