ثم فيه الطعن على ما تلقته الأمة بالقبول؛ لأن أحاديث البخاري ومسلم -كما هو معلوم عند الجميع- هي أصح الأحاديث وأصح الأقوال التي رويت عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد كتاب الله تبارك وتعالى، ولذلك اتفقت الأمة كلها على أن حديث الصحيحين مما لم يقع فيه خلاف بين العلماء المتقدمين فكلها تفيد الصحة واليقين، ولا يجوز الشك في شيء منها بسبب أن بعض الناس يعيشون ثقافة معينة أو عقلية معينة، كالمثال الذي أشرت إليه آنفاً.

عندكم مثلاً من الأحاديث التي لا يؤمن بها الأطباء اليوم إلا من كان مؤمناً حقاً أحاديث كثيرة جداً تدور كلها في الطب النبوي، من ذلك قوله عليه السلام: «في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام» الحبة السوداء ألي بيقولوا عندنا بالشام تعبير جميل: «ما بتعبي العين» من صغرها العين ما تشبع من النظر إليها، لكن من علم هذا النص النبوي الكريم الصحيح، لاشك أنه حين ينظر إليها تختلف نظرته إليها عن نظرة عامة الناس، وبخاصة الكفار منهم إليها.

هذا الحديث بطبيعة الحال -ثبتت التجربة كما يقولون- لم يكتشف سر هذه الحبة المباركة وإن كانوا قد اكتشفوا شيئاً من فوائدها، أما أنها شفاء من كل داء إلا السام الموت فهذا ما وصلوا إليه، وفي اعتقادي ربما لن يصلوا إليه؛ لأنه يبقى حكماً شرعياً غيبياً ليمتحن الله به عباده أيؤمن أم يكفر.

من ذلك مثلاً الحديث المعروف حديث الذبابة: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليخرجه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» ما وجدوا هذا في زعمهم، وبخاصة السر الأكبر الذي لا يمكنهم أن يكشفوه إلا بتجارب عديدة وكثيرة جداً جداً وهي أن تراقب الذبابة، حيث جاء في الروايات الصحيحة أنها تقع على الجناح الذي فيه الداء.

وهذا أظن حتى لو أجريت اختبارات تجربية وهي تهبط على الإناء، وقد يكون إعجاز أن الذباب على نوعين، منه ما يكون الداء في الجناح الأيمن، ومنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015