أنتم تعلمون جميعًا بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حج حجة الوداع وليس في طريقه شيء من الخوف إطلاقًا، ومع ذلك من ساعة خروجه من المدينة ظل يقصر هو والصحابة حتى رجع إليها، وكما يقول عثمان بن عفان: ونحن مطمئنون غير خائفين، فجاء هذا السؤال.
هذا الحديث مما يتعلق بموضوع سابق كنت طرقته لكم فيه أيضًا تنبيه إلى طريق من طرق الاستنباط للفقه، لما ذكرت لكم قول أبو بكر: مزامير الشيطان في بيت رسول الله! وعطفت على ذلك أحاديث أخرى، فقلت: وبنيت على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا سمع شيئًا وأقره ولم ينكره فكأنه هو قال ذلك؛ لأنه أقره، هنا لما سمع الصحابي يقول: ما بالنا نقصر وقد أمنا؟ لا شك وضح لكم أن الصحابي اعتد هنا بالمفهوم، بالتالي ما قال له الرسول أنت تحتج بالمفهوم والمفهوم لا حجة فيه، بمعنى لا سمح الله: لو كان منطق النبي وفهمه لهذه النقطة بالذات على ما يذهب إليه الحنفية، أي: من أن المفهوم ليس به حجة، أو بعبارة أخرى: لو أن الحنفي المتمذهب بالمذهب هذا أورد عليه هذا السؤال من أحدهم، ماذا يكون جوابه؟ سيخطئه سيقول له: أنت تحتج بالمفهوم والمفهوم لا حجة فيه، هل كان هذا هو موقف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ كلا، وإنما سكت عن سؤاله مقرًا له ثم أزال إشكاله بقوله هذا ... هو الأمر كما تقول .. الفهم كما تفهم لكن انتبه هناك شيء خفي عليك، فالأمر كما تقول ولكن الله تفضل على عباده وتصدق عليهم فأنتم من عباده فاقبلوا صدقته.
فالمفهوم حجة بنص هذه الآية التي فهمها الصحابي، وأقر الرسول عليه السلام فهمه، وأزال إشكاله بقوله: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته».
ومن تمام الحجة في هذه الرواية أن أحد التابعين قال أمام عمر فيما يغلب