ينهى الرسول عليه الصلاة والسلام المسلم أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو.
وكأني ألاحظ بأن في نفوس بعض الحاضرين تشوقًا إلى معرفة الدليل على حجية المفهوم؛ لأن الواقع أن المسألة يوجد فيها خلاف بين الحنفية من جهة والأئمة الآخرين من جهة أخرى، فالحنفية يصرحون فيقولون: بأن المفهوم لا يؤخذ به، ومن عجب أنهم يقيدون ولا يطلقون فيقولون: مفاهيم الكتاب والسنة ليست بحجة، أما مفاهيم كتبنا فهي حجة، هذا من الأشياء التي ينبغي على طالب العلم أن يكون على انتباه وحذر منها حتى لا يقع في شيء من الإفراط أو التفريط .. أو أن يفضل كلام المخلوق على كلام الخالق سبحانه وتعالى، فالدليل على أن المفهوم حجة بالقيد السابق، أي: إن لم يخالف منطوقًا هو أن الله تبارك وتعالى ذكر في كتابه فقال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] هذا شرط مفهومه: أنه عليكم جناح أن تقصروا إن لم تخافوا، وهذا ما ألقي في بال بعض الصحابة لما سمع هذه الآية، فتوجه بسبب هذا الذي ألقي في نفسه بالسؤال إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قائلًا: يا رسول الله! ما لنا نقصر وقد أمنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» أين الدليل؟ الدليل أن الصحابي العربي فهم أن هذا الشرط منه مفهوم، ولولا ذلك ما كان به من حاجة إلى أن يتوجه بالسؤال الذي يدفع عنه الشبهة والإشكال، ما كان به حاجة أن يتوجه بذلك إلى الرسول عليه السلام ليقول له: ما لنا نقصر وقد أمنا؟ هو كأنه يقول: يا رسول الله! ربنا اشترط علينا في رفع المؤاخذة ... في القصر إذا ضربنا في الأرض، أي: سافرنا إذا كنا خائفين، ونحن الآن وقد وطد الله للإسلام في الأرض توطيدا، ولم يبق هنا منا خوف من المشركين بل قضى الله على المشركين فأمنا فما بالنا نقصر؟