أن الحديث بظاهره مخالف لمذهبه! فقال رحمه الله تعالى في «الفتح» «9/ 547»: «أخرجه أبو داود بسند حسن ...
وحديث ابن عياش عن الشاميين قوي، وهؤلاء شاميون ثقات، ولا يغتر بقول الخطابي، ليس إسناده بذاك. وقول ابن حزم: فيه ضعفاء ومجهولون.
وقول البيهقي: تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة. وقول ابن الجوزي: لا يصح. ففي كل ذلك تساهل لا يخفى. فإن رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري، وقد صحح الترمذي بعضها ... والأحاديث الماضية، وإن دلت على الحل تصريحا وتلويحا، نصا وتقريرا، فالجمع بينها وبين هذا يحمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون الضب مما مسخ، وحينئذ أمر بإكفاء القدور، ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه، وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له، ثم بعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه، وأكل على مائدته فدل على الإباحة، وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره، وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره، ولا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقا». قلت: وبالجملة، فالحديث ثابت، وكونه معارضا لما هو أصح منه لا يستلزم ضعفه، فهو من قسم المقبول، فيجب التوفيق بينه وبين ما هو أصح منه، على النحو الذي عرفته في كلام الحافظ، وخلاصته أنه محمول على الكراهة لا على التحريم، وفي حق من يتقذره، وعلى ذلك حمله الطبراني أيضا. والله أعلم.
وقد خالف الطحاوي الحنفية في هذه المسألة، فقد عقد فيها بابا خاصا في كتابه «شرح المعاني» «2/ 314 - 317» وذكر الأحاديث الواردة فيها إباحة وكراهة - إلا هذا الحديث فلم يسقه - ثم ختم الباب بقوله: «فثبت بتصحيح هذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب، وهو القول عندنا». فمن شاء التفصيل فليرجع إليه. وللحديث شاهد من رواية يوسف بن مسلم المصيصي: أخبرنا خالد بن يزيد القسري أخبرنا محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير عن عائشة مرفوعا به. أخرجه ابن عساكر في «التاريخ» «5/ 284 / 2».