والأمر الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان مستقرا في نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون بعضهم أومأ إلى ذلك إيماء وبعضهم ذكر ذلك صراحة لكن الأمرين بحاجة إلى توضيح فأقول: أما الإيماء فهو في مبادرة الصحابة لما سمعوا نداءه - صلى الله عليه وسلم - لموتى القليب بقولهم:
ما تكلم أجسادا لا أرواح فيها فإن في رواية أخرى عن أنس نحوه بلفظ: قالوا بدل: قال عمر فلولا أنهم كانوا على علم بذلك سابق تلقوه منه - صلى الله عليه وسلم - ما كان لهم أن يبادروه بذلك وهب أنهم تسرعوا وأنكروا بغير علم سابق فواجب التبليغ حينئذ يلزم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبين لهم أن اعتقادهم هذا خطأ وأنه لا أصل له في الشرع ولم نر في شيء من روايات الحديث مثل هذا البيان وغاية ما قال لهم: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم». وهذا - كما ترى - ليس فيه تأسيس قاعدة عامة بالنسبة للموتى جميعا تخالف اعتقادهم السابق وإنما هو إخبار عن أهل القليب خاصة على أنه ليس ذلك على إطلاقه كما تقدم شرحه فسماعهم إذن خاص بذلك الوقت وبما قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط فهي واقعة عين لا عموم لها فلا تدل على أنهم يسمعون دائما أبدا وكل ما يقال لهم كما لا تشمل غيرهم من الموتى مطلقا.
وأما الصريحة فهي فيما رواه أحمد 3/ 287 من حديث أنس رضي الله عنه قال: صحيح، فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث؟ وهل يسمعون؟ يقول الله عز وجل: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} فقال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع [لما أقول] منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا».
وسنده صحيح على شرط مسلم.
فقد صرح عمر رضي الله عنه أن الآية المذكورة هي العمدة في تلك المبادرة وأنهم فهموا من عمومها دخول أهل القليب فيه ولذلك أشكل عليهم الأمر فصارحوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ليزيل إشكالهم وكان ذلك ببيانه المتقدم.
ومنه يتضح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر الصحابة - وفي مقدمتهم عمر - على فهمهم