قلت: فليس في الحديث شيء من هذا الإنكار ولو بطريق الإشارة وإنما فيه إنكاره - صلى الله عليه وسلم - إنكار أبي بكر على الجاريتين وعلل ذلك بقوله: «فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا».
قلت: وهذا التعليل من بلاغته - صلى الله عليه وسلم - لأنه من جهة يشير به إلى إقرار أبي بكر على إنكاره للمزامير كأصل ويصرح من جهة أخرى بإقرار الجاريتين على غنائهما بالدف مشيرا بذلك إلى أنه مستثنى من الأصل كأنه - صلى الله عليه وسلم - يقول لأبي بكر: أصبت في تمسكك بالأصل وأخطأت في إنكارك على الجاريتين فإنه يوم عيد.
وقد كنت ذكرت نحو هذا في مقدمتي لكتاب الشيخ نعمان الآلوسي: الآيات البينات في عدم سماع الأموات وتساءلت فيها ص 46 - 47: من أين جاء أبو بكر رضي الله عنه بهذا الأصل؟ فقلت:
الجواب: جاء من تعاليم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحاديثه كثيرة في تحريم الغناء وآلات الطرب ثم ذكرت بعض مصادرها المتقدمة ثم قلت: لولا علم أبي بكر بذلك وكونه على بينة من الأمر ما كان له أن يتقدم بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي بيته بمثل هذا الإنكار الشديد 1 غير أنه كان خافيا عليه أن هذا الذي أنكره يجوز في يوم عيد فبينه له النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا»، فبقي إنكار أبي بكر العام مسلما به لإقراره - صلى الله عليه وسلم - إياه ولكنه استثنى منه الغناء في العيد فهو مباح بالمواصفات الواردة في هذا الحديث.
وقد كنت ذكرت هناك في المقدمة المشار إليها أمثلة أخرى تدل على أهمية إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول ما وأنه يكون من الأسباب القوية لفهم الموضوع الذي وقع الإقرار فيه فهما صحيحا من ذلك حديث قليب بدر ومناداته - صلى الله عليه وسلم - لقتلى المشركين فيه: «يا فلان ابن فلان .. » وقول عمر وغيره من الصحابة ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها فأقرهم على ذلك لكن أجابهم بقوله: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم». متفق عليه فاستدللت ثمة بهذه القصة على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون بأمرين يهمني الآن منهما ما يتعلق بالإقرار فقلت: ص 39 - 42: