بعد التحلل، فكان الحافظ نسي ما كان حققه هو بنفسه -رحمه الله تعالى.
ثم هب أنها كانت محرمة، فإن ذلك لا يخدج في استدلال ابن بطال المذكور البتة؛ ذلك لأن المحرمة في جواز ستر وجهها بالسدل عليه كما يدل على ذلك الحديث الرابع والخامس الآتيان «ص 108»، وإنما يجب عليها أن لا تنتقب فقط، فلو أن كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب لا يجوز؛ لأمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تسبل عليه من فوق كما قال ابن حزم، ولا سيما وهي من أحسن النساء وأجملهن، وقد كاد الفضل بن عباس أن يفتتن بها! ومع هذا كله لم يأمرها - صلى الله عليه وسلم -، بل صرف وجه الفضل عنها، ففي هذا دليل أيضًا على أن الستر المذكور لا يجب على المرأة ولو كانت جميلة، وإنما يستحب ذلك لها كما يستحب لغيرها.
وأما قول بعض الفضلاء: ليس في الحديث التصريح بأنها كانت كاشفة عن وجهها؛ فمن أبعد الأقوال عن الصواب، إذ لو لم يكن الأمر كذلك، فمن أين للراوي أو الرائي أن يعرفها أنها امرأة حسناء وضيئة؟ !
ولو كان الأمر كما قال، فإلى ماذا كان ينظر الفضل ويكرر النظر؟ ! والحق أن هذا الحديث من أوضح الأدلة وأقواها على أن وجه المرأة ليس بعورة.
لأن القصة وقعت في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم - وعلى مشهد منه - صلى الله عليه وسلم -؛ مما يجعل الحكم ثابتًا محكمًا، فهو نص مبين لمعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}، وأنه لا يشمل الوجه، فمن حاول أن يفهم الآية دون الاستعانة بالسنة فقد أخطأ.
3 - عن سهل بن سعد: «أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[وهو في المسجد] فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي [فصمت فلقد رأيتها قائمة مليًّا أو قال: هوينًا] فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئًا جلست»، الحديث.
أخرجه البخاري «9/ 107»، ومسلم «4/ 143» .. والبيهقي «7/ 84»، وترجم له «باب نظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها».