وبه استدل الحافظ في «الفتح» «4/ 67» على أن الاستفتاء وقع عند المنحر بعد الفراغ من الرمي. قلت: ومعنى ذلك أن السؤال كان بعد التحلل من الإحرام؛ لما هو معلوم أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة حل له كل شيء إلا النساء، وحينئذ فالمرأة الخثعمية لم تكن محرمة.

والحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله من أن الوجه ليس بعورة؛ لأنه كما قال ابن حزم: «ولو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء».

وفي «الفتح» «11/ 8»: «قال ابن بطال: في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع.

قال: ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها، فخشي الفتنة عليه. وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم، وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء، والإعجاب بهن.

وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخثعمية بالاستتار، ولما صرف وجه الفضل.

قال: وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضًا، لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجههًا في الصلاة، ولو رآه الغرباء».

هذا كله كلام ابن بطال، وهو متين جيد. غير أن الحافظ تعقبه بقوله:

«قلت: وفي استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر؛ لأنها كانت محرمة».

قلت: كلا، فإنه لا دليل على أنها كانت محرمة، بل الظاهر خلافه، فقد قدمنا عن الحافظ نفسه أن سؤال الخثعمية للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان بعد رمي جمرة العقبة، أي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015