ومن هنا تجدهم معرضين عن العبادات، بل مستخفين بأهلها، وقد يظنون أن الرسل إنما أمروا بحفظ قانون يُستعان به على نيل الحكمة النظرية (?) فقط، كما ذكر ذلك من ذكره من متفلسفة المسلمين واليهود وغيرهم. وأما الرسل فأول دعوتهم الأمر بعبادة الله، ولهذا كان نهاية المتفلسف أول قدم يدخل به الإنسان في الإسلام.
الوجه الثاني: أنهم جعلوا المعلوم الذي تكمل به النفوس هو العلم بالمجردات التي عند التحقيق لا وجود لها إلا في الأذهان لا في الأعيان، كما قد بسطناه في غير هذا الموضع. فاما الموجودات الخارجية فهم لا يعلمونها بأنفسها، ولا يعترفون بالله ولا ملائكته، وإنما يقرون بوجودِ مطلقٍ بشرط الإطلاق لا حقيقةَ له في الخارج.
الثالث: جعلهم غاية كمال الإنسان التشبّه بالإله، وأن المتحركات العلوية إنما تتحرك للتشبُّه بمن فوقها، مع أنهم أشد الناس إنكار، للتشبيه، وأدخلهم في التعطيل، [فينكرون] (?) من التشبيه ما يخلقه الله، ويدعون من التشبيه ما يفعلونه بكسبهم.
وقد استدل أبو حامد (?) بحديث ذكره مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تخلَّقوا بأخلاق الله " (?).