بصدقٍ، اطمأنَّ طمأنينة من حصَّل بُغْيَته ووجد محبوبَه ومألوهَه وطَلِبَتَه، وهذا الأصل إنما يستقر لأهل المِلَلِ أتباع ملة إبراهيم، أهلِ الحنيفية، فأما غيرهم فلا، حتى المتفلسفة الإلهيونَ ومن سلك سبيلهم من أهل الملل مع دعواهم أنهم حققوا المعارف اليقينية والحكمة الحقيقية، وقالوا: سعادة النفوس كمالها علمًا وعملاً، هم من أبعد الناس عن هذا، وذلك أن عندهم غاية سعادة النفوس نيل العلم فقط، وحقيقة العلم بالكليات التي لا وجود لها في الخارج كليات، والوجود الذي يثبتونه لواجب الوجود هو من هذا النمط.
ويقولون: غاية الإنسان أن يصير عاقلاَ معقولاً موازيَا للعالم الموجود.
ويقولون: كمال الإنسان أن يتشبه بالخالق بحسب الإمكان.
وقد سلك نحوَا من سبيلهم أبو حامد في "المقصد الأسنى (?) في شرح الأسماء الحسنى"، وهم يزعمون أن الأفلاك إنما تتحرك للتشبيه في قوتها، وهم في هذا ضالون من وجوه:
أحدها: جعلهم غاية العبادة مجرد العلم، والنفس لها قوة العلم وقوة الحب والإرادة، فإذا حصل مجرد العلم من غير معلوم محبوبِ مراب لذاته فسدت النفس، فكيف يكمل مجرد ذلك؟