يُطلَب حينئذٍ لها من غيرها، فإذا جعل الإنسان غاية مقصوده هو نفسه وهوى نفسه، لم يقصد ما يصلح نفسه وينفعها، بل ما يضره أو لا ينفعها، كما قال تعالى: (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) (?).
وبيان ذلك بالبرهان المشابه لبرهان الإحداث أن يقال: هو إذا فعل فعلاً فإما أن يصلح أن يكون ذلك الفعل بمجرده مقصودًا لنفسه، أو لا بد أن يقصد به شيئًا آخر، فإن صلح أن يكون مقصودًا لنفسه وغاية الفاعل، جاز في كل فعلٍ مقصود أن يكون مقصودًا لنفسه، وحينئذ فيلزم أن يصلح للنفوس كل ما يحبه ويهواه، ومعلوم أن هذا مستلزم للفساد، وإن لم يجز أن يكون مقصودًا لنفسه، بل وجب أن يقصد به شيئًا آخر، فإما أن يكون هوي نفسه ومراده أو أمرًا آخر، فأما الأول فيفضي إلى الدور، وذلك أنه إذا قصد بفعلِ أمرٍ لكون نفسه تهواه وتقصده وتحبه، فكونها تحب ذلك وتهواه وتقصده إما أن يجوز أن يكون غايةً مقصودةً بالفعل أو لا يجوز، فإن لم يجز ذلك بطل هذا، وإن جاز أن يكون غاية مقصودة بالفعل صلح في فعلها الأول الذي قصدت به هذا أن يكون لمجرد كونها تحبه وتقصده وتهواه.
ومتى صلح ذلك لم يجب أن تكون لهذه الغاية ولا غيرها، فصار كون هذا مقصودًا لنفسه يمتنع أن يكون مقصودًا لنفسه، وذلك هو الدور. وصار كون الفعل يصلح أن يكون مقصودًا، وذلك يوجب أن لا يمنع متحرك من حركته التي يهواها، ومعلوم أن هذا مستلزم للفساد،