فوجب أن يكون مقصودُه بذلك الفعل أمرًا آخر، لا مجرد ما تهواه نفسه وتحبه وتريده.
وهذا يبيّن بالدليل العقلي أن اتباع الأهواء مطلقًا موجب للفساد، وأنه لا يصلح أن يعبد الإنسان مجرد ما يهواه، كما قال: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (?)، وأنه لا بد أن يكون المعبود المقصود يُعبَد لمعنًى فيه، لا لمجرد إرادة النفس وهواها، وحينئذ فذلك المعنى الذي اختص به وصار لأجله محبوبًا معبودًا إما أن يكون لنفع منه إلى المحب القاصد العابد، وإما أن يكون لذاته، بمعنى أن في قصده ومحبته صلاح القاصد العابد.
أما الأول فقد تبين في المقام الأول أن الله هو رب، كل شيء وخالقه، فليس غيره مستقلاًّ بالنفع، وإن كان غيره سببًا فيه، فذلك النفع الذي يفعله إما أن ييسره الله أو لا يُيسِّره، فإن يسّره وصل إليك منه، سواء قصدته أو لم تقصده، وإن لم يُيسِّره لم يصل إليك منه، سواء قصدته أو لم تقصده، فلم يكن في عبادته ما يوجب وصول تلك المنفعة إليك.
وأيضًا فذاك المعبود إما أن يَعلَم بعبادتك أو لا يَعلَم، فإن لم يعلم لم يجز أن يقصد إيصال النفع إليك، وإن علم فالعالم الشاعر لا يعمل إلا لجلب منفعة أو دفع مضرة. وكونك تعبده وتقصده وتجعله هو الغاية المطلوبة بعملك ليس له في هذا منفعة ولا مصلحة، لأنه لو جاز