إذا لم يكن فيها لا يطلب إلا من غيرها، وهذا مبين نظير ما قلناه في الأسباب، فإن المطلوب للنفس من المصلحة بهذا القصد والعمل إن كان حاصلاً فيها لم يكن في القصد والعمل فائدة، وإن لم يكن حاصلاً فيها لم يطلب حصوله بالقصد والعمل إلا من غيرها.
فكما استدللنا على أن حدوث أفعال النفس لا تُوجَد بمجردها، بل لا بد من سبب منفصل، فكذلك نستدل على أن أفعال النفس لا تنفعها وتفيدها وتصلحها بمجرد النفس، بل لا بدَّ من غاية منفصلة يكون في قصدها صلاح النفس ومنفعتها وخيرها.
ولهذا كل من عمل عملاً لنفسه كان طالبًا لمصلحتها من الأمور الخارجة عنها، مثل من يصنع الطعام للأكل، والثياب للباس، والكرسي للجلوس، فإن الغاية المقصودة للطعام هي الأكل، وغاية الأكل هي وجود اللذة والمنفعة بالاكل والشبع ودفع ألم الجوع، فهذه المنفعة واللذة المطلوبة للنفس لا تطلب من النفس، بل يُطلب حصولُها لها بسبب آخر غيرها، كما أن الإنسان لا تتحرك إرادته إلا بسبب منفصل، مثل أن يحس ما يوجب حركته أو يسمع بذلك، فإن الإرادة لا تتحرك إلا بشعور وإحساس، وذلك لا يكون ابتداءً إلا بأسباب منفصلة، إذ هي وحدها لا تقتضي الحركة والإرادة، كما أنها وحدها لا تحصل اللذة والمصلحة.
يُبيِّن ذلك أنها إذا قصدت بفعلها أمرًا فالمقصود إن كان حاصلاً فيها كان ذلك تحصيلاً للحاصل، وهو محال، وإذا لم يكن المقصود فيها امتنع أن تكون هي منتهى القصد وغاية المراد، إذ المقصود المراد