تقصد نفسُه نفسَه، لوجوب تأخر نفسه عن نفسه، ولوجوب تقدم نفسه على نفسه في العلم والقصد، وهذا بيّن، إذ لا بد أن يتأخر هذا المقصود عن وجود ذاته، فتكون ذاته قبل وجود هذا المقصود، فإذا كانت ذاته هي المقصود وهي القاصد، لزم أن لا تكون إلا متقدمة، وأن لا تكون إلا متأخرة، فتكون موجودة معدومة أربع مرات، كما تقدم بيانه.

وقد يُقال: إن هذا ظاهر فيما إذا كان نفس ذاته هي العلة الغائية من وجودها، وهذا تقدم، وإنما الكلام هنا في قصده لفعل نفسه الذي يفعله هو.

فيقال: مقصوده بفعله كإحداثه لفعله، كما أن مقصود فاعله به كإحداث فاعله له، وقد تبيّن أن حدوث قصده لا يجوز أن يكون ابتداءً منه بل من الله، وأن كونه منه يفضي إلى التسلسل والدور.

فكذلك لا يجوز أن يكون هو منتهى قصده وإرادته بعمله، بل ذلك يُفضِي إلى الفسادِ وكونِ العمل غيرَ نافع بل ضارًّا، لأن المراد المقصود بعمله إما أن يكون مصلحة لنفسه، أو لا يكون، فإن لم يكن فيه مصلحة لنفسه كان عمله فاسدا باطلاً، وإن كان فيه مصلحة لنفسه، فإن كانت تلك المصلحة حاصلةً في نفسه قبل قصده وعمله كان هذا القصد والعمل باطلاً لا فائدة فيه أيضًا، وإن لم يكن حاصلاً في نفسه لم يكن في مجرد كون النفس هي منتهى القصد ما يوجب مصلحة، فإن النفس موجودة قبل ذلك، بل لا بد أن يطلب المصلحة بالقصد من غير النفس، فيكون ذلك هو المقصود لمصلحة النفس، فإن المطلوب لها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015