الممكن المستوي الطرفين مفتقرًا إلى المرجح، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.

وإنما المقصود هنا أن كل ما دلَّ في بعض الموجودات أنه مخلوق لله، فهو يدلّ على ذلك في أفعال العباد، فيعلم بذلك كثرة الأدلة وقوتها على هذا المطلوب. ولهذا قال من قال من أئمة السلف، كحماد بن زيد وغيره: من قال: أفعال العباد لم يخلقها [الله]، بمنزلة من قال: السماء والأرض لم يخلقها الله.

والمقصود هنا أنه إذا كان قصده وفعله مخلوقًا لله مربوبًا له، لا يوجد إلا بمشيئته وقدرته وربوبيته وإعانته، إذ يمتنع أن يكون حادثًا بنفسه، أو حادثًا من غير مُحدِث، فكذلك أيضًا يجب أن يكون لله، مُبتَغى به وجهُ الله، لا يفعل إلا لمحبته ورضاه وإلهيته وعبادته، فإنه لا يجوز أن يكون ليس فيه مقصود مراد، إذ القصد والعمل لغير مقصودٍ مرادٍ ممتنعٌ، كما أن الحادث من غير محدِثٍ ممتنعٌ.

ولا يجوز أن يكون هو المقصود المراد المحبوب بعمله، كما لا يجوز أن يكون هو الخالق له، لأنه يفضي إلى التسلسل والدور، فكما قلنا: لو كان قصده حادثًا بقصد آخر، فإن كان ذلك القصد الثاني حادثًا بالأول لزم الدور، وإن كان حادثًا بغيره لزم التسلسل.

فيقال: لو كان هو المقصود بذلك، فإما أن يكون مقصودًا لنفسه أو لأمرٍ آخر، ويمتنع أن يكون مقصودًا لنفسه، كما يمتنع أن يكون مُحدِثًا لنفسه، لأن المقصود يجب أن يتأخر عن القاصد، كما يجب أن يتقدم الفاعل على المفعول، فإذا لم يجز أن تَفعَلَ نفسُه نفسَه لم يجز أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015