قوله: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)) (?).
وكل ما دلّ على أن الحوادث الممكنات مخلوقة لله، فهو يدلّ على أفعال العباد، إذ هي جزء من الحوادث الممكنات، فاستدلالُ بعضهم على ذلك لكونها ممكنة فتفتقر إلى مرجِّح- كما سلكه أبو عبد الله الرازي- ليس هو أبلغَ من الاستدلال على ذلك بكون ذلك محدَثًا بعد أن لم يكن، فيفتقر إلى مُحدِث، بل هو أبلغ وأكمل، فإن افتقار المحدَث إلى المحدِث أظهر من افتقار الممكن إلى المرجِّح، ولكن هو وطائفة من أهل الكلام قبله عكسوا الأمر في إثبات الصانع، فجعلوا طريقةَ الاستدلال بالمحدَث على المحدِث مبنيةً على طريقة افتقار الممكن إلى المرجح، وهذا غلط جدًّا، فإنه إذا قيل: إن تلك معلومة بالضرورة فالضرورة هنا أرجح بكثير، والمحدَث شيء موجود، كان بعد أن لم يكن، حدوثه أمر خارجي موجود في الخارج.
وأما الممكن فإنما يقدَّر مستوي الطرفين في النفس، إذ هو في الخارج إما واجب بنفسه وإما ممتنع بنفسه، ولهذا منع طائفة من الفلاسفة أن يقال في الموجودات: إنها ممكنة بنفسها. وخالفوا ابن سينا في ذلك كما ذكره ابن رشد الحفيد. فالعلم بثبوت الممكن فيه من الصعوبة ما ليس في العلم بحدوث المحدث، فإن حدوث المحدثات مشهود بالحس، وهو صفة خارجية ثابتة ليست مقدرة في العقل.
ثم افتقار المحدَث إلى مُحدِثٍ أظهر وأبين وأَبْدَهُ للعقل من كون