وإذا كان كذلك فيقال: كون الفعل يكون سببًا للذَّم والعقاب هو من أنواع كونه ملائمًا للفاعل ومنافرًا له، فإنّ حَمْد الفاعل وثوابه يلائمه، وذمه وعقابه ينافره.
فإذا قيل: الملائمة الطبيعية والمنافرة الطبيعية قد تُعلم بالعقل باتفاق العُقلاء.
فيقال: كلُّ ملاءمة ومنافاة للإنسان إنّما تعود إلى الملاءمة الطبيعية والمنافرة الطبيعية، لكن مِن الأفعال ما تكون فيه ملاءمة ولذّة، ويكون فيها منافرة وألم أرجح من ذلك. فيكون ملائمًا من وجه منافرًا من وجه، محبوبًا لذيذًا من وجهٍ بغيضًا مؤلمًا من وجهٍ.
وقد تكون اللذَّةُ عاجلة والألم آجلًا، فعقل الإنسان يأمره بترجيح أحبّ الأمرين إليه وهو أصلحهما وأنفعهما وأكملهما لذَّة، ويأمره بترجيح اللذة الكاملة الآجلة على اللذة القليلة العاجلة؛ ولهذا كان جميع العقلاء يحتملون ألمًا قليلًا للذَّةٍ كثيرة، ويمتنعون عن لذَّةٍ قليلةٍ لتحصيل لذَّة جليلة، ويقولون: هذا مقتضى الهوى والطبع، وهذا مقتضى العقل والشرع.
فمن ادعى حُسْنًا أو قبحًا عقليًّا أو شرعيًّا بلا فرح ولذةٍ ولا غمٍّ وألم، فقد قال ما لا يعرف، ولم يتصوَّر ما يقول، وهو مطالبٌ بتحقيق ما يقوله، فإنّ كثيرًا مِنْ نِزاع العقلاء يكون لكونهم لم يتصوَّروا تصورًا تامًّا