إثبات ذلك قول أكثر الفقهاء والمتكلِّمين، وهو قول كثير من النُّظار المُثْبتة للقدر كالكرَّامية وغيرهم، وهو قول المعتزلة وغيرهم من نُفَاة القدر ومن وافقهم من الشيعة.
وتحقيق الكلام فيها يتضمن فصولًا:
أحدها: اتصاف الأفعال بصفات لأجلها كانت حَسَنة أو قبيحة سيئة.
والثاني: أن تلك الصفات هل تُدْرك بالعقل أم لا؟
والثالث: أن ذلك هل يوجب العذابَ بدون الشرع أم لا؟
وأصل المسألة الذي به تنكشف حقيقتُها: معنى كون الشيء حَسَنًا وسيئًا، هل له حقيقة غير كونه ملائمًا للفاعل ومنافرًا له؟
فإنهم قد اتفقوا على أن كون الفعل حسنًا [أ] وقبيحًا سيئًا، بمعنى كونه ملائمًا للفاعل بحيث يحصل له به فرحٌ ولذَّة، أو منافيًا للفاعل بحيث يحصل له به غمٌّ وألم، وهو مما قد يُعرف بالعقل. وزاد بعضهم: كون الفعل صفة كمالٍ وصفة نقصٍ. فجعل ذلك مما يُعلم بالعقل اتفاقًا، وجعلوا مورد النزاع في كون الفعل هل يكون سببًا للذم والعقاب عاجلًا وآجلًا؟