من العلم وبما يُعلِّمه، وذلك مما يُبْتَغَى به وجهُ الله، لم يكن له عند الله قيمةٌ، ولم يكن للعلم في قلبه حلاوة، ولم يَرْتَعْ في رياضِ الجنَّة في الدنيا، وهي مجالس الذكر، فلم يَرِحْ رائحة الجنة. فالأولُ طلبَ العلم لكسب الأموال والجاهِ، فكان عقوبتُه أن لا يجدَ رائحةَ الجنَّة.
والثاني طَلَبه لمقاصدَ مذمومةٍ من المباهاةِ والمماراةِ وصَرْفِ وجوهِ الناس، فكان جنسُ مطلوبِه محرَّمًا، فلقيَ الله وهو عليه غَضبان.
والأول جنسُ مطلوبِه مباحٌ، فلم يجد رائحةَ الجنةِ في الدنيا، فلم يَرتَعْ في رياضِها، فقلبُه محجوبٌ عنها بما فيه من طلب الدنيا.
وفي حديث مكحولٍ المرسل (?): "مَن أخلصَ لله العبادةَ أربعين صباحًا تفجَّرتْ ينابيعُ الحكمةِ من قلبه على لسانه". وحُكِي عن أبي حامدٍ قال: أخلصتُ لله أربعين صباحًا فلم يُفَجَّرْ لي شيءٌ، فذكرتُ ذلك لبعضِ أهل المعرفة، فقال: إنك لم تُخلِصْ لله، وإنما أخلصتَ للحكمة.
وكذلك الحكاية المشهورة عن الحسن (?) في ذلك الرجلِ الذي كان يَتعبَّدُ ليراهُ الناسُ ولِيُقَال، فكان الناسُ يَذُمُّونَه، ثمَّ أخلصَ لله ولم يُغَيِّر عملَه الظاهر، فألقَى الله له المحبةَ في قلوب الناس، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) (?).