وكَرِهَ أحمد الجلوسَ معهم فيه، وقال: هو مُحْدَثٌ أكرهُه، ورأى أنَّهم لا يُهْجَرونَ؛ لأنهم مُتأولُون.
وحضر هذا السَّماعَ المُحْدَثَ قوم من الصالحين وكرهوه.
وتركُهُ أفضلُ من حضورِه. والذين حضروه اشترطوا له شروطًا كثيرة مثل المكان والخُلاَّن والخلوة من المفاسد.
ومع هذا فالحجَّةُ من الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة مع من كرِهَهُ، ونهى عن التعبُّدِ به، وإن كان يُرَخَّصُ في الأفراح للنساء والصبيان في أنواع من الغناء وضرب الدُّف كما جاءت به السنة، فهذا نوع من اللهْو واللعِب، ليس هو من نوع العبادات والقُرب والطَّاعات، كما يفعله المبتدعون للسَّماع المحدث، وبكل حالٍ فالإكثارُ منه حتى يُفعَلَ في المساجد، وحتى يُشتَغل به عن الصلوات، وحتى يُقَدَّمَ على القراءةِ والصلاةِ، وحتى يُجعلَ شعار الشيخ وأتباعِه، وحتى يُضرب بالمعازف، لا ريبَ أنَّه مِن أعظم المنكرات، وهو مُضاهاة لعبادة المشركين الذين قال الله تعالى فيهم: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) (?). قال السلف: المكاءُ: الصَّفِيرُ نحوُ الغناء، والتَّصْدِيَةُ: التَّصفِيقُ باليد.
فَمَنِ اتخذ الغناءَ والتصفيقَ قُربةً ففيه شَبَه من هؤلاء، وإذا شَغَلَهُ عمَّا أمر به وفَعَلَهُ في المسجد، فقد انْدَرج في قوله: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ) الآية، وفي قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا