لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)) (?).
فلما كان التابعون فيهم مَن يموتُ أو يَصْعَقُ عند سماع القرآن فمِنَ السلف مَن أنكرَ ذلك ورآه بدعةً، وأنَّ صاحبَه متكلِّف، وأمَّا أكثرُ السَّلف والعلماء فقالوا: إنْ [كان] صاحبُه مغلوبًا، والسماع مشروعًا، فهذا لا بأس به، فقد صَعِقَ الكليمُ لما تجلَّى ربُّه للجبل، بل هو حال حَسَن محمود فاضِل بالنسبة إلى مَن يَقْسُو قلبُه.
وحالُ الصحابة ومَنْ سلك سبيلَهم أفضلُ وأكملُ، فإنَّ الغَشِيَّ والصرَاخَ والاختلاجَ إنَّما يكون لقوة الوارد على القلب، وضَعْفِ القلب عن حَمْلِهِ، فلو قَوِيَ القلبُ -كحال نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه- لكان أفضلَ وأكملَ.
ولو لم يَرِدْ على القلبِ ما يحرِّكُه لكان قاسيًا مذمومًا، كما ذمَّ الله تعالى اليهود على قسوة القلوب.
وما زال السلفُ كذلك إلى حَدِّ المئة الثالثة، صار قوم من العبَّاد يجتمعونَ لسماع القصائد المرقِّقة، وربما ضَرَبوا بالقضيب لذلك، ويُسَمُّون ذلك التَّغْبيرَ، فأنكر الأئمةُ ذلك، ورأَوا أنه بدعةٌ محدثةٌ؛ إذْ لم يفعلْه السلفَ حتى قال فيهم الشافعيُّ رضي الله عنه: خَلَّفْتُ ببغداد شيئًا أحْدَثَتْهُ الزَّنادقة يُسَمُّونَه التَّغْبِير، يَصدُّون به الناسَ عن القرآن.