فنُهوا عن الالتفات لئلا يروا عظيمَ العذاب، فيحصل لهم روعٌ وفزعٌ. فكلهم منهيُّون عن النوع الأول، وهي عاصية التفتتْ التفاتَ محبة، فكان الاستثناء في حقّها منقطعًا. وأما الثاني فهم نُهُوا عنه، وهي لم تُنْهَ عن هذا الالتفات الذي هو مع البغض، ليَسلَمَ صاحبُه من الفزع والروع، بل لو التفتتْ مع البغض لم تكن عاصيةً وإن حصلَ لها روعٌ، ولكن لما التفتتْ وهي مُحِبَّةٌ لهم على دينهم -والمرء على دين خليله- أصابها ما أصابَهم، لمشاركتها لهم في الذنب، لا لمجرد الالتفات لو خلا عن دين القوم. ولهذا لو التفتَ لوطٌ أو إحدى ابنتيهِ لم يُصِبه ما أصابهم. فهذا من دقائق معاني القرآن.
وقد ذكر ابن الجوزي القولين، قال:
فإن قيل: [كيف] كُشِف العذابُ عن قومِ يونس بعد إتيانه إليهم، ولم يُكشَف عن فرعونَ حين آمن؟ فعنه ثلاثة أَجوبة:
أحدها: أن ذلك كان خاصًّا لهم، كما ذكرنا في أول الآية.
والثاني: أن فرعون باشره العذابُ، وهؤلاء دنا منهم ولم يباشرهم، فكانوا كالمريض يخاف الموتَ ويرجو العافيةَ، فأما الذي يُعاين فلا توبة له. ذكره الزجاج.
والثالث: أن الله علم فيهم صدقَ النيات، بخلاف من تقدمَهم من