وهذه الرواية الثانية هي نحو مذهب مالك وأبي حنيفة في ذلك. ففي "المدونة" (?): مذهب مالك أن الأم أحق بالولد ما لم يبلغ، سواء كان ذكرًا أو أنثى. فإذا بلغَ وهو أنثى نُظِرتْ، فإن كانت الأم في حِرزٍ ومنعةٍ وتحصينٍ فهي أحق بها أبدًا ما لم تنكح وإن بلغتْ أربعين سنة؟ وإن لم تكن في موضع حرزٍ وتحصين أو كانت غير مرضية في نفسها، فللأب أخذها منها.
وكذلك الأولياء والوصي كالأب في ذلك إذا أخذ إلى أمانة وتحصين.
ومذهب الليث بن سعد نحو ذلك، قال: الأم أحقُّ بالجارية حتى تبلغ، فإن كانت الأم غير مرضية في نفسها وأدبها لولدها أُخِذَتْ منها إذا بلغتْ، إلا أن تكون صغيرة لا يُخافُ عليها.
وأما أبو حنيفة فقال: الأم والجدَّة أحق بالجارية حتى تحيض، ومَن سِوَى الأم والجدة أحق بها حتى تبلغ حدًّا تشتهي. هذا هو المشهور، ولفظ الطحاوي (?): "حتى تستغني" كما في الغلام مطلقًا.
ولهذا قيل فيها كما قيل في الغلام: حتى تأكلَ وحدَها وتلبسَ وحدَها وتتوضأ وحدَها، ثم تكون مع الأب.
وأبو حنيفة أيضا يجعل الأب أحقَّ بها بعد التمييز، كما يقول مثل ذلك في الابن، لكن يستثني الأم والجدة خاصة.
وأما المشهور عن أحمد -وهو تخيير الغلام بين أبويه- فهو مذهب الشافعي وإسحاق بن راهويه. وموافقتُه للشافعي وإسحاق أكثر من موافقته لغيرهما، وأصوله بأصولهما أشبهُ منها بأصول غيرهما. وكان يثنِي عليهما ويُعظِّمهما ويُرجح أصولَ مذاهبهما على من ليست أصولُ