ولمّا قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينةَ لم يُكرِه أحدًا على الإسلام، ولا ضربَ الجزية على أحد، ولكن هادنَ اليهودَ مهادنةً. وأما الأنصار ففشا فيهم الإسلام، وكان فيهم من لم يُسلِم، بل كان مُظهِرًا لكفرِه، فلم يكونوا ملتزمين لحكم الإسلام. وكذلك كان عبد الله بن أبي ابن سَلول وغيره قبل أن يُظهِروا الإسلام.

وقد ثبت في الصحيحين (?) من حديث أسامة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذهب يعود سعدَ بن عبادة، فمرَّ بمجلسٍ من الأنصار ... الحديث. ففي، هذا الحديث وغيره من الأحاديث ما يبين أنهم كانوا قبل غزوة بدر متظاهرين بالكفر من غير إسلام ولا ذمة، فلم يكن الكفار ملتزمين لحكم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ التزامُ حكمِه إنما يكون بالإسلام أو بالعهد الذي التزموا فيه ذلك، ولم يكن المشركون كذلك. فلهذا لم يلزم المرأة بحكم الإسلام، بل دعا الله أن يهدي الصغيرَ، فاستجاب الله. ودعاؤه له أن يهديه دليلٌ على أنه كان طالبًا مريدًا لهداه، وهداه أن يكون عند المسلم لا عند الكافر. لكن لم يمكنه ذلك بالحكم الظاهر، لعدم دخول الكافرة تحت حكمه، فطلبه بدعائه المقبول. وهذا يدل على أنه متى أمكن أن يُجعَل مع المسلم لا يُجعَل مع الكافر.

وكان هذا حكم الله ورسوله بأهل الذمة الملتزمين جريانَ حكم الله ورسوله عليهم، يُحكَم بينهم بذلك. نعم لو كان النزاع بين من هو مسلم ومن هو من أهل الحرب والهدنة الذين لم يلتزموا جريانَ حكم الله ورسوله عليهم، فهنا لا يمكن الحكم فيهم بحكم الإسلام بدون رضاهم، فيسعى حينئذٍ في تغليب الإسلام بالدعاء كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ كان الاجتهاد في ظهور الإسلام ودعاؤه واجباً بحسب الإمكان.

وعلى هذا فالحديث إن كان ثابتاً دليل على التخيير في الجملة.

لكن قد اختُلف في المخيَّر: هل كان صبيًّا أو صبيّة؟ فلم يتبيّن أحدهما، فلا يبقى فيه حجةٌ على تخيير الأنثى، لا سيما والمخيَّرةُ كانت فطيماً، وهذه لا تُخيَّر باتفاقهم، وإنما كان تخييرُ هذه إن صحَّ الحديث من جنس آخر.

(آخر ما وُجد، والحمد لله وحده، وصلي الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وكتب في شهر ربيع الأول من شهود سنة أربع وستين وسبعمئة، أحسن الله عاقبتها بمنّه وكرمه، آمين يا رب العالمين. وكتبها أضعف العباد عبد المنعم البغدادي الحنبلي عفا الله عنه بمنّه وكرمه).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015