يتركه، وتارة ثناء على فاعله، وتارة إخبارًا عن سجود عُظماء الخليقة وعمومهم، كان ذلك دليلاً على فضيلة السجود. وهذا ظاهر، فإن السجود فيه غاية الخضوع والتواضع، وهو أفضل أركان الصلاة الفعلية وأكثرها، حتى إن مواضعَ الصلاة سُمِّيتْ به، فقيل "مسجد"، ولم يُقَل "مقام" ولا "مركع"، لوجهين:
أحدهما: أنه أفضل وأشرف وأكثر.
والثاني: أن نصيب الأرض منه أكثر من نصيبها من جميع الأفعال، فإن العبد يسجد على سبعة أعضاء، وإنما يقوم على رِجلين. وأما الركوع فسِيَّانِ نسبةُ الأرض إليه وإلى القيام، فلهذا قيل "مسجد"، وهو موضع السجود دون موضع الركوع. والركوع نصف سجود، والسجود شرِعَ مَثنَى مَثنَى، في كل ركعة سجدتان، ولم يُشرَع من الأركان مثنى إلا هو، حتى سجود الجبران جُعِل أيضًا مثنى، وهو سجدتا السهو. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسميهما "المرغمتين"، وقال في الشك: "إن كانت صلاتُه وِترًا شَفَعَتَا له صلاته، وإن كانت تامَّة كانتا ترغيمًا للشيطان" (?). فأقام السجدتين مقام ركعة في تكميل الصلاة، لأن الركن الأعظم من كل ركعة هما السجدتان.
وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعَك الله بها درجةً، وحَطَّ عنك بها خطيئةً" (?). وقال: "أَعنِّي على نفسك بكثرة السجود" (?). وقال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (?).