- سبب ذلك

نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنَهم، فلا يظن أحدٌ أن يخلص من الألم البتَّهَ.

وهذا أصلٌ عظيم، فينبغي للعاقل أن يعرفه، وهذا يحصل لكل أحد، فإن الإنسان مدنيّ الطبع، لابدَّ له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذَّبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتارة من غيرهم.

ومن اختبر أحوالَه وأحوالَ الناس وجدَ من هذا شيئًا كثيرًا، كقومٍ يريدون الفواحش والظلم، ولهم أقوال باطلة في الدين أو شرك، فهم مرتكبون بعض ما ذكره الله من المحرمات في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33)) (?). وهم في مكان مشترك، كدارٍ جامعة أو خانٍ أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة فيها غيرهم، وهم لا يتمكنون مما يريدون إلا بموافقة أولئك، أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم، فيطلبون من أولئك الموافقة أو السكوت، فإن وافقوهم أو سكتوا سَلِمُوا من شرهم في الابتلاء، ثمَّ قد يتسلطون هم أنفسهم على أولئك يُهِينونهم ويعاقبونهم أضعاف ما كان أولئك يخافونه ابتداءً، كمن يطلب منه شهادة الزور أو الكلام في الدين بالباطل، إما في الخبر، وإما في الأمر أو المعاونة على الفاحشة والظلم، فإن لم يُجِبهم آذَوه وعَادَوه، وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيُهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان يخافه، وإلاّ عذب بغيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015