الأقوال نوعان:
أقوال ثابتة عن الأنبياء، فهي معصومة، يجب أن يكون معناها حقًّا، عرفَه من عرفه وجَهِله من جهله. والبحث في ذلك إنما هو عن معرفة ما أرادتْه الأنبياء بأقوالهم. ومَن طلب تفسير كلامهم وتأويلَه، ومقصودُه معرفةُ مرادِهم من الوجه الذي به يُعرَف مرادُهم فقد سلكَ طريقَ الهدى؟ ومن كان مقصودُه أن يجعل ما قالوه تبعًا له، فإن وافقَه قَبلَه وإلاَّ ردَّه، وتكلَّف له من التحريف ما يُسمِّيه تأويلاً، مع أنه يعلم بالضرورة أن كثيرًا من ذلك أو أكثره لم تُرِدْه الأنبياءُ= فهذا مُحرَّفٌ للكلم عن مواضعه، لا طالبٌ لمعرفة التأويل الذي يعرفه الراسخون في العلم.
والنوع الثاني: ما ليس منقولاً عن الأنبياء، فقد عُلِم أن مَن سِواهم ليس بمعصوم، وحينئذٍ فلا يُقبَل كلامُه ولا يُرَدُّ إلا بعد تصورِ مرادِه ومعرفةِ صلاحِه من فسادِه، فمن قال من أهل الكلام والجدل: إنه لا يفعل الأشياء بالأسباب، بل يفعل عندها لا بها، ولا يفعل لحكمة، وإنه لا يجعل في الأعيان صفاتٍ وطبائعَ وخواصَّ يُميَّز بها بين موصوف وموصوف، وباعتبارها يحصل ما يحصل من آثارها الموجودة في العالم، ولا خصَّ الأفعال المأمور بها بما لأجله كانت حسنةً مأمورًا بها، ولا المنهيَّ عنها بما لأجله كانت سيئاتٍ منهيًّا عنها، وإنه ليس لشيء من القُوَى والقُدَر التي في الحيوان والإنسان وغيره وفي النبات والمعادن والعناصر الأربعةِ تأثيرٌ في شيء، بل لا فرقَ بين الماء والنار، تُخلق الحرارة عند ملاقاتها لا بقوة فيها،