القرآن العربي مخلوقٌ أو تصنيفُ جبريل ونحو ذلك= فهذا مفترٍ على الله فيما نفاه عنه.
وهذا أصلُ ضلالِ الجهمية من المعتزلة ومن وافقهم على مذهبهم، فإنهم يُظهرون للناس التنزيهَ، وحقيقةُ كلامهِم التعطيل، فيقولون: نحن لا نُجسِّم، بل نقول: إن الله ليس بجسم، ومرادُهم بذلك نفيُ حقيقة أسمائه وصفاتِه، فيقولون: ليس لله علمٌ ولا حياةٌ ولا قدرةٌ ولا كلام ولا سمعٌ ولا بصرٌ، ولا يُرى في الآخرة، ولا عُرِجَ بالنبي إليه، ولا يَنزِل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتجلى لشيء، ولا يقرب إلى شيء، ولا يقرب منه شيء. ويقولون: إنه لم يتكلم بالقراَن، بل القرآن مخلوق، أو هو كلام جبريل، وأمثال ذلك من مقالات المعطّلة الفرعونية الجهمية.
والله تعالى يقول في كتابه (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) (?) أي لا تُحيط به، فكما أنه يُعلَم ولا يُحاطُ به علمًا، فكذلك سبحانه يُرَى ولا يُحاطُ به رؤيةً. فهو سبحانه نفى الإدراك، ولم يَنفِ الرؤية، ونَفْي الإدراك يَدُلُّ على عظمته، وأنه من عظمته لا يُحاطُ به. وأما نفي الرؤية فلا مدحَ فيه، فإن المعدومات لا تُرى، ولا مدحَ لشيء من المعدومات، بل المدحُ إنما يكون بالأمور الثبوتيه لا بالأمور العدمية، وإنما يَحصل المدحُ بالعدم إذا تضمَّن ثبوتًا، كقوله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (?)، فنزَّه نفسه عن السِّنَة والنوم، لأن ذلك يتضمن كمال حياتِه وقيوميته،