سببًا لنقلِ الملك، فلا يزول ملكه ويُبَاحُ لغيره بقول محرَّم. فهذا قد يحتجُّ به من يقول: إن الطلاق المحرَّم لا يصح، كما أن النكاح المحرَّم لا يصح، وهذا موجبُ الأصول على قول الجمهور الذين يقولون: النهي يقتضي الفساد، لاسيما والطلاقُ في الأصل مكروه بل محرَّم يُبغِضه الله، وإنما أباح منه قدرَ الحاجة، فيكون ما أبيح من قدر الحاجة إنما أُبيح لمن تكلم به بكلامٍ مباح، وأوقعه على الوجه المأذون فيه، أَمّا من تكلَّم به بكلام محرَّم وفعلَه على الوجه الذي نُهِيَ عنه، فالشارع لم يُبِح له ذلك الطلاقَ، فيكون باقيًا على الحظر، فلا يكون من الطلاق المشروع، كطلاق الأجنبية والطلاق قبل النكاح.

يوضّح ذلك أن ما كان محظورًا وأُبيح للحاجة كان رخصةً، والرُّخَصُ لا تُستباحُ على الوجه المحرم، فيكون من طلَّق طلاقا لم يُؤذن له به - كمن طلَّق بلفظ الظهار - فلا يقع الطلاق بذلك.

يُوضِّح ذلك أن إيقاع الطلاق ممّن أوقعه على الوجه المحرَّم إما أن يكون عقوبة له، وإما أن يكون رخصة له. والثاني ممتنع، لأن فعلَ المحرَّم لا يناسب النعمة بالرخصة. وإن قيل: هو عقوبة، فيقال: فكان ينبغي أن يعاقب المتظاهر بوقوع الطلاق به، فلمّا لم يعاقبه الشارع بذلك عُلِمَ أن الشارع لم يجعل نفس وقوع الطلاق عقوبةً للخلق، بل إنما عاقبهم بالكفّارات، لأن الكفّارات من جنس العبادات، والله يحب أن يُعبَد، فإذا فعلوها فعلوا ما يُحبه الله ورسوله، كما إذا أقاموا الحدود لله، التي جُعِلتْ عقوباتٍ، فإن الله أمر بها وجعلها واجبةً، وما تقرَّبَ العبادُ إلى الله بأفضلَ من أداءِ ما افترضَ عليهم.

فالعقوبات التي يشرعها الشارع هي مما يُجب وقوعه ويرضاه ويأمر به، وهو لا يحب وقوعَ الطلاق ولا يأمر به ولا يَرضاه لغير حاجة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015