فكيف يَشرَع وقوعَه ويجعله عقوبة؟!
يُوضِّح ذلك أنه تعالى يُبغِض وقوعَ الطلاق، فكيف يشرع العقوبةَ بوجود ما يبغضه؟ وهو إنما يشرعُ العقوبةَ لئلاّ يُوجَد ما يُبغِضه، فيمتنع أن يَحكُم بوجود ما يُبغِضُه لئلَّا يُوجَد ما يُبغِضه، فإن هذا جمعٌ بين النقيضين، لاسيّما إذا كان الذي عاقب به هو نفس ما يُبغِضه.
فهو مثل أن يُقال: اسقوه الخمرَ لئلا يشرب الخمر! وهذا ممتنع.
فإن قيل: فقد حرَّمها عليه بعد الطلقة الثالثة عقوبةً له.
قيل: هناك لما استوفوا الطلاقَ الذي أباحَه لهم للحاجة حرَّمها عليهم بعد الثالثة، فكانت العقوبة بالتحريم عليه لا بوقوع الطلاق عليه، فلم يعاقبهم بوقوع طلاقٍ قطّ. والعقوبة بالتحريم إلى غايةٍ مما جاءت به الشريعة، كما حرَّم الله على المظاهر المرأةَ حتى يكفّر، والعقوبة بالتحريم المؤبَّد كان من شرع من قبلَنا، كما قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (?)، وكما قال: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)) (?). فإن قيل: فهلاَّ منعَ وقوعَ الطلاق الثلاث إذا كان يُبغِضه؟ وقال: لا يقع الطلاق الثلاث وإن فرَّقَها.
قيل: هذا كان يقتضي المنع من الطلاق بالكلية كدين النصارى، وفي ذلك حرجٌ عظيم، لحاجة الناس إلى الطلاق بعض الأوقات إذا كان يبغضها أو كانت تُبغِضه. ولهذا أباح الله الافتداء إذا خافا أن لا